وهذه الآية تدل على صحة الشفاعة للمذنبين من المؤمنين بمفهمومها؛ لأنّ تخصيص هؤلاء بأنهم لا تنفعهم شفاعة الشافعين يدل على أن غيرهم تنفعهم شفاعة الشافعين. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: يشفع نبيكم عليه الصلاة والسلام رابع أربعة جبرائيل ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى ثم نبيكم ﷺ وعليهم أجمعين ثم الملائكة ثم النبيون ثم الصدّيقون ثم الشهداء، ويبقى قوم في جهنم يقال لهم ﴿ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين﴾ إلى قوله تعالى: ﴿فما تنفعهم شفاعة الشافعين﴾. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: فهؤلاء الذين في جهنم.
﴿فما لهم عن التذكرة معرضين﴾ أي: فما لأهل مكة قد أعرضوا وولوا عن القرآن قال مقاتل رضي الله عنه: معرضين عن القرآن من وجهين: أحدهما: الجحود والإنكار، والثاني: ترك العمل بما فيه، وقيل: المراد بالتذكرة العظة بالقرآن وغيره من المواعظ ومعرضين حال من الضمير في الجار الواقع خبراً عن ما الاستفهامية، ومثل هذه الحال تسمى حالاً لازمة، وعن التذكرة متعلق به، أي: أيّ شيء حصل لهم في إعراضهم عن الاتعاظ.
﴿كأنهم﴾ في إعراضهم عن التذكرة من شدة النفر ﴿حمر﴾ أي: من حمر الوحش وهي أشد الأشياء نفاراً، ولذلك كان أكثر تشبيهات العرب في وصف الإبل بسرعة السير بالحمر في عدوها إذا وردت ماء فأحست بما يريبها ﴿مستنفرة﴾أي: موجدة للنفار بغاية الرغبة حتى كأنها تطلبه من أنفسها لأنه شأنها وطبعها، وقرأ ابن عامر ونافع بفتح الفاء على أنه اسم مفعول أي: نفرها القناص والباقون بكسرها بمعنى نافرة.
(١٣/٢٥٥)
---


الصفحة التالية
Icon