وقوله تعالى: ﴿كلا﴾ ردع عن طلب المفرّ ﴿لا وزر﴾ أي: لا ملجأ ولا حصن استعير من الجبل. قال السدّي: كانوا في الدنيا إذا فزعوا تحصنوا في الجبال، فقال الله تعالى لهم: لا وزر يعصمكم مني يومئذ واشتقاقه من الوزر وهو الثقل ﴿إلى ربك﴾ أي: المحسن إليك بأنواع الإحسان لا إلى شيء غيره ﴿يومئذ﴾ أي: إذ كانت هذه الأمور ﴿المستقر﴾ أي: استقرار الخلق كلهم ناطقهم وصامتهم ومكان قرارهم وزمانه إلى حكمه سبحانه ومشيئته ظاهراً وباطناً لا حكم لغيره بوجه من الوجوه في ظاهر ولا باطن كما هو في الدنيا. وقال ابن مسعود: المصير والمرجع، قال الله تعالى ﴿إلى ربك الرجعى﴾ (العلق: ٨)
و ﴿إليه المصير﴾ (المائدة: ١٨)
وقال السدّي: المنتهى، نظيره ﴿وإنّ إلى ربك المنتهى﴾ (النجم: ٤٢)
(١٣/٢٦٤)
---
﴿ينبأ﴾ أي: يخبر تخبيراً عظيماً ﴿الإنسان يومئذ﴾ أي: إذا كان الزلزال الأكبر ﴿بما قدّم﴾ قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله تعالى عنهم: بما قدّم قبل موته من عمل صالح وسيء ﴿وأخر﴾ بعد موته من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها. وقال ابن عطية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: بما قدّم من المعصية وأخر من الطاعة، وقال قتادة: بما قدم من طاعة الله وأخر من حق الله فضيعه. وقال مجاهد: بأوّل عمله وآخره. وقال عطاء: بما قدم في أوّل عمره وما أخر في آخر عمره. وقال يزيد بن أسلم: بما قدّم من أموال نفسه وما أخر خلفة للورثة، والأولى أن يقال ينبأ بجميع ذلك إذ لا منافاة بين هذه الأقوال.
﴿بل الإنسان﴾ أي: كل واحد من هذا النوع ﴿على نفسه﴾ أي: خاصة ﴿بصيرة﴾ أي: حجة بينة على أعماله والهاء للمبالغة يعني: أنه في غاية المعرفة بأحوال نفسه، فيشهد عليه بعمله سمعه وبصره وجوارحه قال الله تعالى: ﴿كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً﴾ (الإسراء: ١٤)
.k
قال البغوي: ويحتمل أن يكون معناه: بل للإنسان على نفسه يعني جوارحه، فحذف حرف الجر كقوله تعالى: ﴿وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم﴾ (البقرة: ٣٣)