ثم بين حالهم فيها بقوله تعالى ﴿متكئين فيها﴾ أي: الجنة. واختلفوا في إعراب متكئين، فقال الجلال المحلي: حال من مرفوع ادخلوها المقدر. وقال أبو البقاء: يجوز أن يكون حالاً من المفعول في جزاهم وأن يكون صفة، واعترض عليه في كونه صفة بأنه لا يجوز عند البصريين لأنه كان يلزم الضمير، فيقال: متكئين هم فيها لجريان الصفة على غير من هي له وقيل: إنه من فاعل صبروا، واعترض أنّ الصبر كان في الدنيا والاتكاء في الآخرة، وأجيب بأنه يصح أن يكون حالاً مقدرة لأنّ مآلهم بسبب صبرهم إلى هذه الحالة.
ثم أشار إلى زيادة راحتهم بقوله تعالى: ﴿على الأرائك﴾ أي: السرر في الحجال ولا تكون أريكة إلا مع وجود الحجلة وقيل: الأرائك الفرش على السرر. وقوله تعالى: ﴿لا يرون فيها﴾ أي: الجنة حال ثانية على الخلاف المتقدم في الأولى، ومن جوّز أن تكون الأولى صفة جوّزه في الثانية. وقيل: إنها حال من الضمير المرفوع المستكن في متكئين فتكون حالاً متداخلة. ﴿شمساً﴾ أي: حرًّا ﴿ولا﴾ يرون فيها ﴿زمهريراً﴾ أي: برداً شديداً فالآية من الاحتباك دل نفي الشمس أوّلاً على نفي القمر ودل نفي الزمهرير الذي هو سبب البرد ثانياً على نفي الحرّ الذي سببه الشمس، فأفاد هذا أنّ الجنة غنية عن النيرين، لأنها نيرة بذاتها وأهلها غير محتاجين إلى معرفة زمان إذ لا تكليف فيها بوجه وأنها ظليلة معتدلة دائماً بخلاف الدنيا، فإنّ فيها الحاجة إلى ذلك، والحرّ والبرد فيها من فيح جهنم، قال رسول الله ﷺ «اشتكت النار إلى ربها قالت: يا رب أكل بعضي بعضاً فجعل لها نفسين نفساً في الشتاء ونفساً في الصيف فشدة ما تجدونه من البرد من زمهريرها وشدة ما تجدونه من الحرّ من سمومها» وقيل: الزمهرير القمر بلغة طيء، وأنشدوا:
*وليلة ظلامها قد اعتكر ** قطعتها والزمهرير ما زهر*
ويروى ما ظهر.
(١٣/٢٩١)
---