ومعنى هذا الاستفهام تفخيم الشأن كأنه قال عن أي شيء ﴿يتساءلون﴾، ونحوه قولك: زيد ما زيد جعلته لانقطاع قرينه وعدم نظيره كأنه شيء خفي عليك، فأنت تسأل عن جنسه وتفحص عن جوهره كما تقول: ما الغول، وما العنقاء تريد أي شيء هو من الأشياء هذا أصله، ثم جرد للعبارة عن التفخيم حتى وقع في كلام من لا تخفى عليه خافية، ولذا لما وقف البزي ألحق الميم هاء السكت بخلاف عنه، والضمير في يتساءلون لأهل مكة، كانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم. وذلك أن النبيّ ﷺ لما دعاهم إلى التوحيد وأخبرهم بالبعث بعد الموت وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون: ماذا جاء به محمد، ويسألون الرسول والمؤمنين عنه استهزاء، وقيل: الضمير للمسلمين والكافرين جميعاً وكانوا جميعاً يتساءلون عنه، أما المسلم فليزداد خشية واستعداداً، وأما الكافر فليزداد استهزاء.
ثم ذكر أن تساؤلهم عماذا؟ فقال تعالى: ﴿عن النبأ العظيم﴾ قال مجاهد والأكثرون: هو القرآن، دليله قوله تعالى: ﴿قل هو نبأ عظيم﴾ (ص: ٦٧)
وقال قتادة: هو البعث.
فإن قيل: إذا كان الضمير يرجع للكافر، فكيف يكون قوله تعالى: ﴿الذي هم﴾ أي: بضمائرهم مع ادعائهم أنها أقوى الضمائر ﴿فيه مختلفون﴾ مع أنّ الكفار كانوا متفقين على إنكار البعث؟ أجيب: بأنا لا نسلم اتفاقهم على ذلك بل كان فيهم من يثبت المعاد الروحاني وهم جمهور النصارى، وأما المعاد الجسماني فمنهم من يقطع القول بإنكاره ومنهم من يشك، وأما إذا كان المتساءل عنه القرآن فقد اختلفوا فيه كثيراً وقيل: المتساءل عنه نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
وقوله تعالى: ﴿كلا﴾ ردع للمتسائلين هزؤاً، ﴿سيعلمون﴾ ما يحل بهم على إنكارهم له.
(١٣/٣٢٣)
---