وقوله تعالى: ﴿يوم ترجف﴾ أي: تضطرب اضطراباً كثيراً مزعجاً ﴿الراجفة﴾ أي: الصيحة منصوب بالجواب، أي: لتبعثنّ يا كفار مكة ﴿يوم ترجف الراجفة﴾ وهي النفخة الأولى بها يرجف كل شيء، أي: يتزلزل ويتحرّك لها كل شيء، ويموت منها جميع الخلائق فوصفت بما يحدث منها. ﴿تتبعها الرادفة﴾ أي: الصيحة التابعة لها وهي النفخة الثانية، ردفت الأولى وبينهما أربعون سنة، والجملة حال من الراجفة واليوم واسع للنفختين وغيرهما، فصح ظرفيته للبعث الواقع عقيب الثانية. وقال قتادة رضي الله عنه: هما صيحتان فالأولى تميت كل شيء والأخرى تحيي كل شيء بإذن الله سبحانه وتعالى، وقال عطاء: الراجفة القيامة والرادفة البعث. روي عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال: «كان رسول الله ﷺ إذا ذهب ربع الليل قام وقال: يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه».
﴿قلوب يومئذ﴾ أي: إذ قام الخلائق بالصيحة التابعة للأولى ﴿واجفة﴾ أي: خائفة قلقة مضطربة من الوجيف وهو صفة القلوب، وقال مجاهد رضي الله عنه: وجلة. وقال السدّي: زائلة عن أماكنها، نظيره ﴿إذ القلوب لدى الحناجر﴾ (غافر: ١٨)
﴿أبصارها﴾ أي: أبصار أصحابها، فهو من الاستخدام ﴿خاشعة﴾ أي: ذليلة من الخوف، ولذا أضافها إلى القلوب، كقوله تعالى: ﴿خاشعين من الذل﴾ (الشورى: ٤٥)
﴿يقولون﴾ أي: أرباب القلوب والأبصار في الدنيا استهزاء وإنكاراً للبعث ﴿أئنا لمردودون﴾ أي: بعد الموت ﴿في الحافرة﴾ أي: في الحياة التي كنا فيها قبل الموت، وهي حالتنا الأولى، فنصير أحياء بعد الموت كما كنا، تقول العرب: رجع فلان في حافرته، أي: رجع من حيث جاء، والحافرة عندهم اسم لابتداء الشيء وأوّل الشيء. وقال بعضهم: الحافرة وجه الأرض التي تحفر فيها قبورهم، سميت حافرة بمعنى المحفورة. كقوله تعالى: ﴿عيشة راضية﴾ (الحاقة: ٢١)
(١٣/٣٤١)
---


الصفحة التالية
Icon