ولما سمع المشركون أخبار القيامة ووصفها بالأوصاف الهائلة مثل الطامّة الكبرى والصاخة والقارعة وسألوا رسول الله ﷺ استهزاءً متى تكون الساعة؟ نزل: ﴿يسئلونك﴾ يا أشرف الخلق ﴿عن الساعة﴾ أي: البعث الآخر لكثرة ما تتوعدهم به من أمرها ﴿أيان مرساها﴾ أي: في أي وقت إرساؤها، أي: إقامتها أرادوا متى يقيمها الله تعالى ويثبتها ويكوّنها، أو أيان منتهاها ومستقرّها، كما أنّ مرسى السفينة مستقرّها حيث تنتهي إليه.
فأجابهم الله تعالى بقوله سبحانه: ﴿فيم﴾ أي: في أي شيء ﴿أنت من ذكراها﴾ أي: من أن تذكر وقتها لهم وتعلهم به.
(١٣/٣٥٢)
---
تنبيه: ﴿فيم﴾ خبر مقدّم و﴿أنت﴾ مبتدأ مؤخر و ﴿من ذكراها﴾ متعلق بما تعلق به الخبر، والمعنى: أنت في أي شيء من ذكراها، أي: ما أنت من ذكراها لهم وتبيين وقتها في شيء. وعن عائشة رضي الله عنها «لم يزل رسول الله ﷺ يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت» فهو على هذا تعجب من كثرة ذكره لها، كأنه قيل: في أيّ شغل واهتمام أنت من ذكراها والسؤال عنها، والمعنى: أنهم يسألونك عنها فلحرصك على جوابهم لا تزال تذكرها وتسأل عنها.
﴿إلى ربك﴾ أي: المحسن إليك بأنواع النعم ﴿منتهاها﴾ أي: منتهى علمها لم يؤت علمها أحداً من خلقه كقوله تعالى: ﴿إنما علمها عند ربي﴾ (الأعراف: ١٨٧)
وقوله تعالى: ﴿إنّ الله عنده علم الساعة﴾ (لقمان: ٣٤)
قال القرطبي: ويجوز أن يكون إنكاراً على المشركين في مسألتهم، أي: فيم أنت من ذلك حتى يسألونك، بيانه: ولست ممن يعلمه. روي معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقيل: الوقف على قوله تعالى: ﴿فيم﴾ وهو خبر مبتدأ مضمر أي: فيم هذا السؤال، ثم يبتدأ بقوله تعالى: ﴿أنت من ذكراها﴾ أي: أرسلناك وأنت خاتم الأنبياء وآخر الرسل المبعوث في فم الساعة ذكر من ذكراها وعلامة من علاماتها فكفاهم بذلك دليلاً على دنوّها ومشارفتها ووجوب الاستعداد لها، ولا معنى لسؤالهم عنها.