﴿الذي خلقك﴾ أي: أوجدك من العدم مهيأ بتقدير الأعضاء ﴿فسوّاك﴾ عقب تلك الأطوار بتصوير الأعضاء والمنافع بالفعل ﴿فعدلك﴾ أي: جعل كل شيء من ذلك سليماً مودعاً فيه قوّة المنافع التي خلقه الله تعالى لها.
(١٣/٣٨١)
---
تنبيه: قوله تعالى: ﴿الذي﴾ يحتمل الإتباع على البدل والبيان والنعت والقطع إلى الرفع والنصب. واعلم أنه سبحانه وتعالى لما وصف نفسه بالكرم ذكر هذه الأمور الثلاثة كالدلالة على تحقيق ذلك الكرم فقوله سبحانه ﴿الذي خلقك﴾ أي: بعد أن لم تكن لا شك أنه كرم لأنه وجود، والوجود خير من العدم، والحياة خير من الموت. كما قال تعالى: ﴿كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم﴾ (البقرة: ٢٨)
وقوله تعالى: ﴿فسوّاك﴾ أي: جعلك مستوي الخلقة سالم الأعضاء غاية في الكرم كما قال تعالى: ﴿أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سوّاك رجلاً﴾ (الكهف: ٣٧)
أي: معتدل الخلق والأعضاء. وقال ذو النون المصري: أي: سخر لك المكوّنات أجمع، وما جعلك مسخراً لشيء منها، ثم أنطق لسانك بالذكر وقلبك بالعقل وروحك بالمعرفة ومدّك بالإيمان وشرفك بالأمر والنهي، وفضلك على كثير ممن خلق تفضيلاً. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف الدال والباقون بالتشديد، بمعنى جعلك متناسب الأطراف فلم يجعل إحدى يديك أو رجليك أطول، ولا إحدى عينيك أوسع فهو من التعديل. وهو كقوله تعالى: ﴿بلى قادرين على أن نسوّي بنانه﴾ (القيامة: ٤)
. وقال عطاء عن ابن عباس: جعلك قائماً معتدلاً حسن الصورة لا كالبهيمة المنحنية. وقال أبو علي الفارسي: عدلك خلقك في أحسن تقويم مستوياً على جميع الحيوان والنبات، وواصلاً في الكمال إلى ما لم يصل إليه شيء من أجسام هذا العالم. وأمّا قراءة التخفيف فتحتمل هذا أي: عدل بعض أعضائك ببعض ويحتمل أن يكون من العدول، أي: صرفك إلى ما شاء من الهيئات والأشكال. ونقل القفال عن بعضهم: أنهما لغتان بمعنى واحد.
(١٣/٣٨٢)
---