واختلفوا في الكفار هل عليهم حفظة. فقيل: لا لأنّ أمرهم ظاهر وعملهم واحد، قال تعالى: ﴿يعرف المجرمون بسيماهم﴾ (الرحمن: ٤١)
وقيل: عليهم حفظة وهو ظاهر قوله تعالى: ﴿بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين﴾ وقوله تعالى: ﴿وأمّا من أوتي كتابه بشماله﴾ (الحاقة: ٢٥)
وقوله تعالى: ﴿وأمّا من أوتي كتابه وراء ظهره﴾ (الانشقاق: ١٠)
فأخبر أنّ لهم كتاباً وأنّ عليهم حفظة.
فإن قيل فأي شيء يكتب الذي عن يمينه ولا حسنة له؟ أجيب: بأنّ الذي عن شماله يكتب بإذن صاحبه ويكون صاحبه شاهداً على ذلك وإن لم يكتب. وفي هذه الآية دلالة على أنّ الشاهد لا يشهد إلا بعد العلم لوصف الملائكة بكونهم حافظين كراماً كاتبين.
﴿يعلمون﴾ أي: على التجدد والاستمرار ﴿ما تفعلون﴾ فدل على أنهم يكونون عالمين بها حتى إنهم يكتبونها، فإذا كتبوها يكونون عالمين عند أداء الشهادة، وفي تعظيم الكتبة تعظيم لأمر الجزاء، فإنه عند الله من جلائل الأمور، ولولا ذلك لما وكل بضبط ما يحاسب عليه وفيه إنذار وتهويل للعصاة، ولطف بالمؤمنين. وعن الفضيل أنه كان إذا قرأها قال: ما أشدها من آية على الغافلين.
ولما وصف تعالى الكرام الكاتبين لأعمال العباد ذكر أحوال العاملين، وقسمهم قسمين، وبدأ بقسم أهل السعادة.
فقال تعالى: ﴿إنّ الأبرار﴾ أي: المؤمنين الصادقين في إيمانهم بأداء فرائض الله تعالى واجتناب معاصيه ﴿لفي نعيم﴾ أي: محيط بهم أبد الآبدين، وهو نعيم الجنة الذي لا نهاية له.﴿{
(١٣/٣٨٤)
---
ثم ذكر قسم أهل الشقاوة بقوله تعالى: {وإنّ الفجار﴾
الذي من شأنهم الخروج عما ينبغي الاستقرار فيه من رضا الله تعالى إلى سخطه، وهم الكفار ﴿لفي جحيم﴾ أي: نار محرقة تتوقد غاية التوقد فهم فيها أبد الآبدين.
﴿يصلونها﴾ أي: يدخلونها ويقاسون حرّها ﴿يوم الدين﴾ أي: يوم الجزاء وهو يوم القيامة.


الصفحة التالية
Icon