وقيل: كان أهل المدينة تجاراً يطففون، وكانت بياعاتهم المنابذة والملامسة والمخاطرة فنزلت. وعن عليّ أنه مرّ برجل يزن الزعفران وقد أرجح فقال له: أقم الوزن بالقسط، ثم أرجح بعد ذلك ما شئت كأنه أمر بالتسوية أوّلاً ليعتادها ويفصل الواجب من النفل. وعن ابن عباس: إنكم معشر الأعاجم وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم المكيال والميزان، وخص الأعاجم لأنهم يجمعون الكيل والوزن جميعاً وكانا مفرّقين في الحرمين، كان أهل مكة يزنون وأهل المدينة يكيلون. وعن ابن عمر أنه كان يمرّ بالبائع فيقول: اتق الله وأوف الكيل، فإن المطففين يوقفون يوم القيامة لعظمة الرحمن حتى إنّ العرق يلجمهم إلى أنصاف آذانهم. وعن عكرمة أشهد أنّ كل كيال ووزان في النار فقيل له: إن ابنك كيال أو وزان فقال: أشهد أنه في النار. وعن أبيّ: لا تلتمس الحوائج ممن رزقه في رؤوس المكاييل وألسن الموازين.
(١٣/٣٨٧)
---
ثم بين تعالى المطففين من هم بقوله تعالى: ﴿الذين إذا اكتالوا﴾ أي: عالجوا الكيل ﴿على الناس﴾ أي: كائنين من كانوا لا يخافون شيئاً، ولا يراعون أحداً بل صارت الخيانة والوقاحة لهم ديدناً ﴿يستوفون﴾ أي: إذا كالوا منهم وأبدل على مكان من للدلالة على أن اكتيالهم من الناس اكتيال يضرهم ويتحامل فيه عليهم، ويجوز أن يتعلق على بيستوفون ويقدّم المفعول على الفعل لإفادة الخصوصية، أي: يستوفون على الناس خاصة، وأمّا أنفسهم فيستوفون لها. وقال الفراء: من وعلى يتعاقبان في هذا الموضع لأنه حق عليه، فإذا قال: اكتلت عليك فكأنه قال: أخذت ما عليك، وإذا قال: اكتلت منك فكقوله: استوفيت منك.
﴿وإذا كالوهم﴾ أي: كالوا للناس أي: حقهم، أي: مالهم من الحق ﴿أو وزنوهم﴾ أي: وزنوا لهم فحذف الجار وأوصل الفعل، كما قال القائل:
*ولقد جنيتك أكمؤاً وعساقلاً ** ولقد نهيتك عن بنات الأوبر*


الصفحة التالية
Icon