وقوله تعالى: ﴿كلا﴾ ردع عن التكذيب، وقيل: معناها حقاً كما مرّ. وقال البيضاوي: تكرير للأوّل ليعقب بوعد الأبرار كما عقب بوعيد الفجار إشعار بأنّ التطفيف فجور والإيفاء برّ، وردع عن التكذيب ﴿إنّ كتاب الأبرار﴾ أي: كتب أعمال المؤمنين الصادقين في إيمانهم ﴿لفي عليين﴾ وعليون علم لديوان الخير الذي دوّن فيه كل ما عملته صلحاء الثقلين، منقول من جمع فعيل من العلو كسجين من السجن، سمي بذلك إمّا لأنه سبب الارتفاع إلى أعالي الدرجات في الجنة، وإمّا لأنه مرفوع في السماء السابعة حيث يسكن الكروبيون تكريماً له وتعظيماً. وروي «أنّ الملائكة لتصعد بعمل العبد فيستقبلونه فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله من سلطانه أوحى إليهم إنكم الحفظة على عبدي وأنا الرقيب على ما في قلبه، وإنه أخلص عمله فاجعلوه في عليين، وقد غفرت له وإنها لتصعد بعمل العبد فيزكونه فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله أوحى إليهم أنتم الحفظة على عبدي وأنا الرقيب على قلبه، وإنه لم يخلص لي عمله فاجعلوه في سجين». وعن البراء مرفوعاً: «عليين في السماء السابعة تحت العرش». وقال ابن عباس: هو لوح من زبرجدة خضراء معلق تحت العرش، أعمالهم مكتوبة فيها. وقال كعب وقتادة: هو قائمة العرش اليمنى. وقال عطاء عن ابن عباس: هو الجنة. وقال الضحاك: سدرة المنتهى. وقال بعض أهل المعاني علو بعد علو وشرف بعد شرف، ولذلك جمعت بالياء والنون. قال الفراء: هو اسم موضع على صيغة الجمع لا واحد له من لفظه مثل عشرين وثلاثين.
﴿وما أدراك﴾ أي: جعلك دارياً وإن بالغت في الفحص ﴿ما عليون﴾ أي: ما كتاب عليين هو ﴿كتاب﴾ أي: عظيم ﴿مرقوم﴾ أي: فيه أنّ فلاناً أمن من النار رقماً، يا له من رقم ما أبهاه وأجمله.
﴿يشهده المقرّبون﴾ يحضرونه فيشهدون على ما فيه يوم القيامة، أو يحفظونه.
ولما عظم كتابهم عظم منزلتهم بقوله تعالى:
(١٣/٣٩٥)
---