وإن فسر بالمقتولين كان المعنى: أنّ المؤمنين قتلوا بالنار فيكون ذلك خبراً لا دعاءً. والمقصود من هذه الآية: تثبيت قلوب المؤمنين وإخبارهم بما كان يلقاه من قبلهم من الشدائد. وذكر لهم النبيّ ﷺ قصة الغلام ليصبروا على ما يلقون من أذى الكفار ليتأسوا بهذا الغلام في صبره على الأذى والصلب، وبذل نفسه في إظهار دعوته ودخول الناس في الدين مع صغر سنه، وكذلك صبر الراهب على التمسك بالحق حتى نشر بالمنشار، وكذلك أكثر الناس لما آمنوا بالله تعالى.
﴿وما نقموا﴾ أي: وما أنكروا وكرهوا ﴿منهم﴾ من الخلات وكان ذنباً ونقصاً ﴿إلا أن يؤمنوا﴾ أي: يجدّدوا الإيمان مستمرّين عليه ﴿بالله﴾ أي: الذي له الكمال كله ﴿العزيز﴾ في ملكه الذي يغلب من أراد ولا يغلبه شيء. ﴿الحميد﴾ أي: المحيط بجميع صفات الكمال، فهو يثيب من أطاعه أعظم ثواب وينتقم ممن عصاه بأشدّ العذاب. وهذا استثناء على طريقة قول القائل:
*ولا عيب فيهم غير أنَّ سيوفهم
** بهن فلول من قراع الكتائب*
أي: من ضرابها، والكتائب بالتاء المثناة: جمع كتيبة وهي الجيش، وقال ابن الرقيات:
ما نقموا من بني أمية إلا أنهم يحلمون إن غضبوا
ونظيره قوله تعالى: ﴿هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله﴾ (المائدة: ٥٩)
ولما ذكر تعالى الأوصاف التي يستحق بها أن يؤمن به ويعبد، وهو كونه عزيزاً غالباً قادراً يخشى عقابه، حميداً منعماً يجب الحمد على نعمه، ويرجى ثوابه قرر ذلك بقوله تعالى:
﴿الذي له﴾ أي: خاصة ﴿ملك السموات والأرض﴾ أي: على جهة العموم مطلقاً، فكل من فيهما يحق عليه عبادته والخشوع له تقديراً، لأنّ ما نقموا منهم هو الحق الذي لا ينقمه إلا مبطل منهمك في الغيّ، وإنّ الناقمين أهلٌ لانتقام الله تعالى منهم بعذاب لا يعدله عذاب. ﴿والله﴾ الملك الأعظم الذي له الإحاطة الكاملة ﴿على كل شيء شهيد﴾ فلا يغيب عنه شيء، وهذا لأنّ الله علم ما فعلوا وهو مجازيهم عليه.
(١٣/٤١٥)
---