فقال تعالى: ﴿الذي خلق﴾ أي: أوجد من العدم فله صفة الإيجاد لكل ما أراده لا يعسر عليه شيء ﴿فسوّى﴾ أي: مخلوقه. وقال الرازي: يحتمل أن يريد الناس خاصة، ويحتمل أن يريد الحيوان، ويحتمل أن يريد كل شيء خلقه تعالى، فمن حمله على الإنسان ذكر للتسوية وجوهاً: أحدها: اعتدال قامته وحسن خلقه، كما قال تعالى: ﴿لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم﴾ (التين: ٤)
وأثنى على نفسه بسبب خلقه إياه بقوله تعالى: ﴿فتبارك الله أحسن الخالقين﴾ (المؤمنون: ١٤)
. ثانيها: كل حيوان مستعدّ لنوع واحد من الأعمال فقط، أمّا الإنسان فإنه خلق بحيث يمكنه أن يأتي بجميع الأعمال بواسطة الآلات. ثالثها: أنه تعالى هيأه للتكليف والقيام بأداء العبادات. وقال بعضهم: خلق في أصلاب الآباء وسوّى في أرحام الأمّهات.
ومن حمله على جميع الحيوانات فمعناه: أنه أعطى كل حيوان ما يحتاج إليه من الآلات والأعضاء، ومن حمله على جميع المخلوقات كان المراد من التسوية: هو أنه تعالى قادرٌ على كل الممكنات، عالمٌ بجميع المعلومات، يخلق ما أراد على وفق إرادته موصوفاً بالأحكام والإتقان، مبرّأٌ عن النقص والاضطراب.
(١٣/٤٢٩)
---
وقرأ ﴿والذي قدر﴾ الكسائي بتخفيف الدال والباقون بالتشديد قال البغوي: وهما بمعنى واحد، أي: أوقع تقديره في أجناس الأشياء وأنواعها وأشخاصها ومقاديرها وصفاتها وأفعالها وآجالها وغير ذلك من أحوالها، فجعل البطش لليد، والمشي للرجل، والسمع للأذن، والبصر للعين ونحو ذلك ﴿فهدى﴾ قال مجاهد: هدى الإنسان لسبيل الخير والشرّ والسعادة والشقاوة وهدى الأنعام لمراعيها. وقال مقاتل والكلبي: في قوله تعالى: ﴿فهدى﴾ عرّف خلقه كيف يأتي الذكر الأنثى، كما قال تعالى في سورة طه: ﴿أعطى كل شيء خلقه ثم هدى﴾ (طه: ٥٠)