وقوله تعالى: ﴿سنقرؤك فلا تنسى﴾ بشارة من الله تعالى لنبيه محمد ﷺ بإعطاء آية بينة، وهي أن يقرأ عليه جبريل ما يقرأ عليه من الوحي وهو أمّي لا يكتب ولا يقرأ فيحفظه ولا ينساه، فهو نفيٌ أخبر الله تعالى أنّ نبيه ﷺ لا ينسى. وقيل: نهيٌ، والألف مزيدة للفاصلة كقوله تعالى: ﴿السبيلا﴾ (الأحزاب: ٦٧)
أي: فلا تفعله كرامةً، وتكريره لئلا ينساه، ومنعه مكي لأنه لا ينهى عما ليس باختياره. وأجيب: بأنّ هذا غير لازم؛ إذ المعنى: النهي عن تعاطي أسباب النسيان وهو شائع. قال الرزاي: وهذه الآية تدل على المعجزة من وجهين.
الأوّل: أنه كان رجلاً أمّياً فحفظه لهذا الكتاب المطوّل من غير دراسة ولا تكرار خارق للعادة فيكون معجزاً.
الثاني: أنّ هذه السورة من أول ما نزل بمكة، فهذا إخبار عن أمر عجيب مخالف للعادة سيقع في المستقبل، وقد وقع فكان هذا إخباراً، فيكون معجزاً.
وفي المشيئة في قوله تعالى: ﴿إلا ما شاء الله﴾ أي: المَلِك الذي له الأمر كله وجوه: أحدها: التبرّك بهذه الكلمة كقوله تعالى:
﴿ولا تقولنّ لشيءٍ إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله﴾ (الكهف: ٢٣ ـ ٢٤)
(١٣/٤٣١)
---
فكأنه تعالى يقول: إني عالم بجميع المعلومات، وعالم بعواقب الأمور على التفصيل، ومع ذلك لا أخبر بوقوع شيء في المستقبل إلا مع هذه الكلمة، فأنت وأمّتك يا أشرف الخلق أولى بها. ثانيها: قال الفرّاء: إنه تعالى ما شاء أن ينسى محمداً ﷺ شيئاً؛ إلا أن المقصود من ذكر هذا الاستثناء بيان أنه تعالى يصيره ناسياً لذلك لقدر عليه كقوله تعالى: ﴿ولئن شئنا لنذهبنّ بالذي أوحينا إليك﴾ (الإسراء: ٨٦)
ثم إنا نقطع أنه تعالى ما شاء ذلك. ونظيره قوله تعالى: ﴿لئن أشركت ليحبطنّ عملك﴾ (الزمر: ٦٥)