وقوله تعالى: ﴿الذين طغوا﴾، أي: تجبروا ﴿في البلاد﴾ في محل نصب على الذم، ويجوز أن يكون مرفوعاً على هم الذين طغوا في البلاد، أو مجروراً على وصف المذكورين عاد وثمود وفرعون فالضمير يرجع لعاد وثمود وفرعون وقيل: يرجع إلى فرعون خاصة.
﴿فأكثروا﴾، أي: طغاتهم ﴿فيها الفساد﴾، أي: بالقتل والكفر والمعاصي قال القفال: وبالجملة فالفساد ضد الصلاح يتناول جميع أقسام البر، فالفساد يتناول جميع أقسام الإثم فمن عمل بغير أمر الله تعالى وحكم في عباده بالظلم فهو مفسد.
﴿فصب﴾، أي: أنزل إنزالاً هو في غاية القوة ﴿عليهم﴾، أي: في الدنيا ﴿ربك﴾، أي: المحسن إليك بكل جميل ﴿سوط﴾، أي: نوع ﴿عذاب﴾ وقال قتادة: يعني ألواناً من العذاب صبه عليهم، وقال أهل المعاني هذا على الاستعارة لأن السوط عندهم غاية العذاب. وقال الفراء: هي كلمة تقولها العرب لكل نوع من أنواع العذاب، وأصل ذلك أنّ السوط هو عذابهم الذي يعذبون به فجرى إلى كلّ عذاب إذا كان فيه غاية العذاب. وقال الزجاج: جعل سوطهم الذي ضربهم به العذاب.
وعن الحسن أنه كان إذا أتى على هذه الآية قال: إنّ الله تعالى عنده أسواط كثيرة فأخذهم بسوط منها. وقال قتادة: كل شيء عذب الله تعالى به فهو سوط، وشبه بصب السوط الذي يتواتر على المضروب فيهلكه.
﴿إنّ ربك﴾، أي: المحسن إليك بالرسالة ﴿لبالمرصاد﴾، أي: يرصد أعمال العباد لا يفوته منها شيء ليجازيهم عليها والمرصاد المكان الذي يترقب فيه الرصد، مفعال من رصده كالميقات من وقته، وهذا مثل لإرصاد العصاة بالعقاب وأنهم لا يفوتونه. وعن بعض العرب أنه قيل: له: أين ربك؟ فقال: بالمرصاد. وعن عمرو بن عبيد أنه قرأ هذه السورة عند المنصور حتى بلغ هذه فقال: ﴿إنّ ربك لبالمرصاد﴾ يا أبا جعفر عرّض له في هذا النداء بأنه بعض من توعده بذلك من الجبابرة. قال الزمخشري: فلله دره، أي: أسد فراس كان بين ثوبيه يدق الظلمة بإنكاره ويقصع أهل الأهواء والبدع باحتجاجه.
(١٣/٤٥٤)
---


الصفحة التالية
Icon