﴿والليل﴾، أي: الذي هو ضدّ النهار فهو محل السكون والانقباض ﴿إذا يغشاها﴾، أي: يغطيها بظلمته فتغيب وتظلم الآفاق وقيل: الكتابة للأرض، أي: يغشى الدنيا بالظلمة فتظلم الآفاق فالكناية ترجع إلى غير مذكور، وجيء يغشاها مضارعاً دون ما قبله وما بعده مراعاة للفواصل؛ إذ لو أتى به ماضياً لكان التركيب إذا غشيها فتفوت المناسبة اللفظية بين الفواصل والمقاطع.
تنبيه: إذا في الثلاثة لمجرّد الظرفية والعامل فيها فعل القسم.
﴿والسماء وما﴾، أي: ومن ﴿بناها﴾، أي: خلقها على هذا السقف المحكم. أقسم تعالى بنفسه وبأعظم مخلوقاته.
وقوله تعالى: ﴿والأرض﴾، أي: التي هي فراشكم ﴿وما﴾، أي: ومن ﴿طحاها﴾، أي: بسطها وسطحها على الماء كذلك.
وكذا قوله تعالى: ﴿ونفس﴾، أي: أي نفس جمع فيها سبحانه العالم بأسره ﴿وما﴾، أي: ومن ﴿سوّاها﴾، أي: عدلها على هذا القانون الأحكم في أعضائها، وما فيها من الجواهر والأعراض والمعاني وغير ذلك. فإن قيل: لم نُكرت النفس؟ أجيب: بوجهين:
أحدهما: أنه يريد نفساً خاصة من بين النفوس، وهي نفس آدم عليه السلام، كأنه قال تعالى: وواحدة من النفوس.
ثانيهما: أنه يريد كل نفسٍ، ونكره للتكثير على الطريقة المذكورة في قوله تعالى: ﴿علمت نفس﴾ (التكوير: ١٤)
وإنما أوثرت ما على من فيما ذكر لإرادة الوصفية بما ضمنا وإن لم يوصف بلفظها؛ إذ المراد أنها تقع على نوع من يعقل وعلى صفته، ولذلك مثلوا بقوله تعالى: ﴿فانكحوا ما طاب لكم﴾ (النساء: ٣)
وقدّروها بأنكحوا الطيب، وهذا تنفرد به ما دون من. وهذه الأسماء كلها مجرورة على القسم.
أقسم الله تعالى بأنواع مخلوقاته المتضمنة للمنافع العظيمة حتى يتأمّل المكلف فيها ويشكر عليها، لأنّ الذي يقسم الله تعالى به يحصل به روح في القلب فتكون الدواعي إلى تأمّله أقرب.
(١٣/٤٧٣)
---