ولما أعطاه في الآخرة من الثواب الذي لا يعلم كنهه إلا الله تعالى. قال ابن عباس: له الجنة ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك. فإن قيل: ما هذه اللام الداخلة على سوف؟ أجيب: بأنها لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة، والمبتدأ محذوف تقديره: ولأنت سوف يعطيك، وذلك أنها لا تخلو من أن تكون لام قسم ابتداء، ولام الابتداء، لا تدخل إلا على الجملة من المبتدأ والخبر فلا بدّ من تقدير مبتدأ وخبر، وأن يكون أصله: ولأنت سوف يعطيك.
فإن قيل: ما معنى الجمع بين حرفي التأكيد والتأخير؟ أجيب: بأن معناه: أنّ العطاء كائن لا محالة وإن تأخر لما في التأخير من المصلحة على أنه تعالى أخبر نبيه ﷺ بالحال التي كان عليها.
(١٣/٤٩١)
---
فقال جل ذكره: ﴿ألم يجدك﴾ وهو استفهام تقرير، أي: وجدك ﴿يتيماً﴾ وذلك أنّ أباه مات وهو جنين قد أتت عليه ستة أشهر، وقيل: مات قبل ولادته وماتت أمّه وهو ابن ثمان سنين. ﴿فآوى﴾، أي: بأن ضمك إلى عمك أبي طالب فأحسن تربيتك. وعن مجاهد: هو من قول العرب درة يتيمة إذا لم يكن لها نظير، فالمعنى: ألم يجدك يتيماً واحداً في شرفك فآواك الله تعالى بأصحاب يحفظونك ويحوطونك. وهذا خلاف الظاهر من الآية، ولهذا قال الزمخشري: ومن بدع التفاسير أنه من قولهم: درة يتيمة، وأنّ المعنى: ألم يجدك واحداً في قريش عديم النظير فآواك. فإن قيل: كيف أنّ الله تعالى يمنّ بنعمه والمنّ بها لا يليق، ولهذا ذمّ فرعون في قوله لموسى عليه السلام: ﴿ألم نربك فينا وليداً﴾ (الشعراء: ١٨)
؟ أجيب: بأنّ ذلك يحسن إذا قصد به تقوية قلبه ووعده بدوام النعمة، فامتنان الله تعالى زيادة نعمة بخلاف امتنان الآدمي.