ثم أوصاه باليتامى والمساكين والفقراء فقال تعالى: ﴿فأمّا اليتيم﴾، أي: هذا النوع﴿فلا تقهر﴾ قال مجاهد: لا تحقر اليتيم فقد كنت يتيماً. وقال الفراء: لا تقهره على ماله فتذهب بحقه لضعفه كما كانت العرب تفعل في أموال اليتامى، تأخذ أموالهم وتظلمهم حقوقهم. وروي أنه ﷺ قال: «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشرّ بيت في المسلمين فيه يتيم يساء إليه، ثم قال بإصبعيه: أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وهو يشير بإصبعيه». اليتيم منصوب بتقهر، وبه استدل ابن مالك على أنه لا يلزم من تقديم المعمول تقديم العامل، ألا ترى أنّ اليتيم منصوب بالمجزوم وقد تقدّم على الجازم، ولو تقدّم على لا، لامتنع؛ لأنّ المجزوم لا يتقدّم على جازمه كالمجرور لا يتقدّم على جاره وفي الآية دلالة على اللطف باليتيم وبره والإحسان إليه، وقال ﷺ «من ضمّ يتيماً وكان في نفقته وكفاه مؤنته كان له حجاباً من النار يوم القيامة». وقال: «من مسح برأس يتيم كان له بكل شعرة حسنة». وقال قتادة: كن لليتيم كالأب الرحيم.
فإن قيل: ما الحكمة في أن الله تعالى اختار لنبيه ﷺ اليتم؟ أجيب: بوجوه:
أحدها: أن يعرف حرارة اليتيم فيرفق باليتيم.
ثانيها: يشاركه في الاسم فيكرمه لأجل ذلك لقوله ﷺ «إذا سميتم الولد محمداً فأكرموه ووسعوا له في المجلس».
ثالثها: ليستند من أوّل عمره على الله تعالى فيشبه إبراهيم عليه السلام في قوله: حسبي من سؤالي علمه بحالي.
رابعها: أنّ اليتيم تظهر عيوبه فلما لم يجدوا عيباً لم يجدوا فيه مطعناً.
خامسها: جعله يتيماً ليعلم كل أحد أن فضيلته ابتداء من الله تعالى لا من تعليم، لأن من له أب فإنه يؤدّبه ويعلمه.
سادسها: اليتم والفقر نقص في العادة فكونه ﷺ مع هذين الوصفين من أكرم الخلق كان ذلك قلباً للعادة فيكون معجزة.
(١٣/٤٩٦)
---