وقوله تعالى: ﴿يومئذ﴾ بدل من يومئذ قبله منصوب بقوله تعالى: ﴿يصدر﴾ أو بأذكر مقدّراً، أي: واذكر يوم إذ كان ما تقدّم وهو حين يقوم الناس من القبور يصدر ﴿الناس﴾ أي: يرجعون من قبورهم إلى ربهم الذي كان لهم بالمرصاد ليفصل بينهم. وقرأ حمزة والكسائي بإشمام الصاد بين الصاد والزاي، والباقون بالصاد الخالصة ﴿أشتاتاً﴾ أي: متفرّقين بحسب مراتبهم في الذوات والأحوال من مؤمن وكافر، وآمن وخائف، ومطيع وعاص. وعن ابن عباس: متفرّقين على قدر أعمالهم أهل الإيمان على حدة، أو متفرّقين فأخذ ذات اليمين على الجنة، وأخذ ذات الشمال إلى النار ﴿ليروا﴾ أي: يرى الله تعالى المحسن منهم والمسيء بواسطة من شاء من جنوده، أو بغير واسطة حين يكلم سبحانه كل أحد من غير ترجمان ولا واسطة كما أخبر بذلك رسوله ﷺ ﴿أعمالهم﴾ فيعلموا جزاءها، أو صادرين عن الموقف كل إلى داره ليرى جزاء عمله، ثم سبب عن ذلك قوله تعالى مفصلاً الجملة التي قبله: ﴿فمن يعمل﴾ من محسن أو مسيء، مسلم أو كافر ﴿مثقال ذرّة خيراً﴾ أي: من جهة الخير ﴿يره﴾ أي: يرى ثوابه حاضراً لا يغيب عنه شيء منه، لأنّ المحاسب له الإحاطة علماً وقدرة.
﴿ومن يعمل مثقال ذرّة شرّاً يره﴾ فالمؤمن يراه ليشتدّ سروره به، والكافر يوقف على عمله أنه أحبط لبنائه على غير أساس الإيمان، أو على أنه جوزي في الدنيا فهو صورة بلا معنى ليشتدّ ندمه وتبقى حسرته. وعن ابن عباس: من يعمل من الكفار خيراً يره في الدنيا ولا يثاب عليه في الآخرة، ومن يعمل مثقال ذرّة من شر عوقب عليه في الآخرة مع عقاب الشرك، ومن يعمل مثقال ذرّة من شر من المؤمنين يره في الدنيا ولا يعاقب عليه في الآخرة إذا تاب ويتجاوز عنه، وإن عمل مثقال ذرّة من خير يقبل منه ويضاعف في الآخرة
(١٤/٤٤)
---