﴿وإنه﴾ أي: الإنسان من حيث هو ﴿لحب﴾ أي: لأجل حب ﴿الخير﴾ أي: المال الذي لا يعدّ غيره لجهله خيراً ﴿لشديد﴾ أي: بخيل بالمال ضابط له ممسك عليه، أو بليغ القوة في حبه لأنّ منفعته في الدنيا، وهو متقيد بالعاجل الحاضر المحسوس مع علمه بأنّ أقل ما فيه أنه يشغله عن حسن الخدمة لربه تعالى، ومع ذلك فهو لحب المال وإيثار الدنيا وطلبها قوي مطيق، وهو لحب عبادة ربه وشكر نعمته ضعيف متقاعس.
ثم سبب عن ذلك قوله تعالى:
﴿أفلا يعلم﴾ أي: هذا الإنسان الذي أنساه أنسه بنفسه ﴿إذا بعثر﴾ أي: انتثر بغاية السهولة وأخرج ﴿ما في القبور﴾ أي: من الموتى. قال أبو عبيدة: بعثرت المتاع: جعلت أسفله أعلاه. قال محمد بن كعب: ذلك حين يبعثون. فإن قيل: لِمَ قال: ﴿ما في القبور﴾ ولم يقل من، ثم قال بعد ذلك:
﴿إن ربهم بهم﴾ أجيب: عن الأوّل بأنّ ما في الأرض غير المكلفين أكثر فأخرج الكلام على الأغلب، أو أنهم حال ما يبعثون لا يكونون أحياء عقلاء بل يصيرون كذلك بعد البعث، فلذلك كان الضمير الأوّل ضمير غير العقلاء، والضمير الثاني ضمير العقلاء.
﴿وحُصِّل﴾ أي: أخرج وجمع بغاية السهولة ﴿ما في الصدور﴾ من خير وشر مما يظن مضمره أنه لا يعلمه أحد أصلاً، وظهر مكتوباً في صحائف الأعمال وهذا يدل على أن النيات يحاسب عليها كما يحاسب على ما يظهر من آثارها. وتخصيص الصدر بذلك لأنه محله القلب.
(١٤/٥١)
---


الصفحة التالية
Icon