(١٤/٥٣)
---
أي: وغير ذلك ﴿المنفوش﴾ أي: المندوف المفرّق الأجزاء فتراها لذلك متطايرة في الجوّ كالهباء المنثور، كما قال تعالى في موضع آخر: ﴿هباءً منبثاً﴾ (الواقعة: ٦)
حتى تعود الأرض كلها لا عوج فيها ولا أمّتا.
ثم سبب عن ذلك تعالى مفصلاً لهم:
﴿فأمّا من ثقلت موازينه﴾ أي: برجحان الحسنات، وفي الموازين قولان: أحدهما: أنه جمع موزون وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله تعالى، وهذا قول الفراء. والثاني: قال ابن عباس: إنه جمع ميزان له لسان وكفتان لا يوزن فيه إلا الأعمال، فتوزن فيه الصحف المكتوبة فيها الحسنات والسيئات أو الأعمال أنفسها، فيؤتى بحسنات المؤمن في أحسن صورة فتوضع في كفة الميزان فإذا رجحت فالجنة له، ويؤتى بسيئات الكافر في أقبح صورة فيخف ميزانه فيدخل النار.
وقيل: إنما توزن أعمال المؤمنين فمن ثقلت حسناته على سيئاته دخل الجنة، ومن ثقلت سيئاته على حسناته دخل النار فيقتص منه على قدرها، ثم يخرج منها فيدخل الجنة، أو يعفو الله عنه فيدخل الجنة بفضله ورحمته. وأمّا الكافر فقد قال الله تعالى في حقه: ﴿فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً﴾ (الكهف: ١٠٥)
ثم قيل: إنه ميزان واحد بيد جبريل عليه السلام يزن به أعمال بني آدم، فعبر عنه بلفظ الجمع. وقيل: موازين لكل حادثة ميزان، وقيل: الموازين الحجج والدلائل قاله عبد العزيز بن يحيى، واستشهد بقول الشاعر:
*قد كنت قبل لقائكم ذا مرّة ** عندي لكل مخاصم ميزانه*
﴿فهو﴾ أي: بسبب رجحان حسناته ﴿في عيشة﴾ أي: حياة يتقلب فيها. قال البقاعي: ولعله ألحقها بالهاء الدالة على الوحدة، والمراد العيش ليفهم أنها على حالة واحدة في الصفاء واللذة وليست ذات ألوان كحياة الدنيا ﴿راضية﴾ أي: ذات رضا أو مرضية لأنّ أمّه جنة عالية.
﴿وأمّا من خفت﴾ أي: طاشت ﴿موازينه﴾ أي: غلبت سيئاته، أو لم تكن له حسنة لاتباعه الباطل وخفته عليه في الدنيا.
(١٤/٥٤)
---