قال: فانطلق معي إلى الملك، قال بعض العلماء: أنه أردفه على بغلة كان عليها وركب معه بنيه حتى قدم العسكر، وكان ذو نفر صديقاً لعبد المطلب فأتاه فقال: يا ذا نفر هل عندك من غناء فيما نزل بنا، فقال: ما غناء رجل أسير لا يأمن أن يقتل بكرة أو عشياً، ولكن سأبعث إلى أنيس سائس الفيل، فإنه صديق لي فأسأله أن يصنع لك عند الملك ما استطاع من خير ويعظم خطرك ومنزلتك عنده، فأرسل إلى أنيس فأتاه فقال له: إنّ هذا سيد قريش صاحب عين مكة يطعم الناس في السهل والوحوش في رؤوس الجبال، وقد أصاب الملك له مائتي بعير، فإن استطعت أن تنفعه عنده فانفعه فإنه صديق لي أحبّ ما وصل إليه من الخير.
فدخل أنيس على أبرهة فقال: أيها الملك هذا سيد قريش صاحب عين مكة يطعم الناس في السهل والوحوش على رؤوس الجبال يستأذن عليك، وأنا أحبّ أن تأذن له فيكلمك وقد جاء غير ناصب لك ولا مخالف عليك فأذن له، وكان عبد المطلب رجلاً جسيماً وسيماً فلما رآه أبرهة أعظمه وأكرمه وكره أن يجلس معه على السرير، وأن يجلس تحته فهبط إلى البساط فجلس عليه، ثم دعاه فأجلسه معه.
ثم قال لترجمانه: قل له: ما حاجتك إلى الملك؟ فقال الترجمان ذلك، فقال عبد المطلب: حاجتي إلى الملك أن يردّ إليّ مائتي بعير أصابها لي. فقال أبرهة لترجمانه: قل له قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ولقد زهدت فيك، قال لِمَ؟ قال: جئت إلى بيت هو دينك ودين آبائك، وهو شرفكم وعصمتكم لأهدمه لم تكلمني فيه وتكلمني في مائتي بعير أصبتها؟ قال عبد المطلب: أنا رب الإبل وللبيت رب سيمنعه. قال: ما كان ليمنعه مني، قال: فأنت وذاك فأمر بإبله فردت عليه، وقيل: عرض عليه عبد المطلب أموال تهامة ليرجع فأبى فلما ردت الإبل على عبد المطلب خرج فأخبر قريشاً الخبر، وأمرهم أن يتفرّقوا في الشعاب، ويتحرّزوا في رؤوس الجبال تخوّفاً عليهم من معرّة الجيش، وأتى عبد المطلب الكعبة فأخذ بحلقة الباب وجعل يقول:
(١٤/٧١)
---