ولما دعا ﷺ أقربيه إلى الله تعالى وخوّفهم، قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فإني أفتدي نفسي بمالي وولدي فأنزل الله تعالى:
﴿ما أغنى عنه﴾ أي: عن أبي لهب ﴿ماله﴾، أي: الكثير الذي جرت العادة أنه منج من الهلاك، فإنه كان صاحب مواش كثيرة. ﴿وما كسب﴾، أي: من الولد والأصحاب والعز بعشيرته التي كان يؤذي بها النبيّ ﷺ وكان ابنه عتبة شديد الأذى للنبيّ ﷺ فقال النبيّ ﷺ «اللهمّ سلط عليه كلباً من كلابك فكان أبو لهب يعرف أن هذه الدعوة، لا بدّ أن تدركه فسافر إلى الشأم فأوصى به الرفاق لينجوه من هذه الدعوة فكانوا يحدقون به إذا نام ليكون وسطهم والحمول محيطة به وهم محيطون بها، والركاب محيطة بهم، فلم ينفعهم بل جاء الأسد فتشمم الناس حتى وصل إليه فاقتلع رأسه» وإنما كان الولد من الكسب لقوله ﷺ «أطيب ما يأكل أحدكم من كسبه، وإنّ ولده من كسبه».
تنبيه: ما في ﴿ما أغنى﴾ يجوز فيها النفي والاستفهام فعلى الاستفهام، تكون منصوبة المحل بما بعدها التقدير: أي شيء أغنى المال وقدم لكونه له صدر الكلام، ويجوز في ما في قوله تعالى: ﴿وما كسب﴾ أن تكون بمعنى الذي فالعائد محذوف، وأن تكون مصدرية، أي: وكسبه وأغنى بمعنى يغني. ثم أوعده سبحانه بالنار فقال تعالى:
﴿سيصلى﴾ أي: عن قريب بوعد لا خلف فيه ﴿ناراً﴾ يندس فيها وتنعطف عليه وتحيط به ﴿ذات لهب﴾، أي: لا تسكن ولا تخمد أيداً لأنّ ذلك مدلول الصحبة المعبر عنها بذات وذلك بعد موته.
ولما أخبر تعالى عنه بكمال التباب الذي هو نهاية الخسار زاده تحقيراً بذكر من يصونها بأزرى صورة وأشنعها بقوله تعالى:
(١٤/١١٠)
---