ثم انصرفت، فقال أبو بكر: يا رسول الله أما ترى ما رأتك قال ﷺ «ما رأتني لقد أخذ الله تعالى بصرها» عني وكانت قريش إنما تسمي محمداً ﷺ مذمما ثم يسبونه، وكان ﷺ يقول: «ألاتعجبوا لما صرف الله تعالى عني من أذى قريش يهجون مذمماً وأنا محمداً». انظر كيف كان رسول الله ﷺ يحمل هذا الأذى ويحلم عليهم فينبغي لغيره أن يكون له به أسوة قال الله تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ (الأحزاب: ٢١)
تنبيه: احتج أهل السنة على تكليف ما لا يطاق بأنه تعالى كلف أبا لهب بالإيمان بتصديق الله تعالى في كل ما أخبر عنه أنه لا يؤمن من أهل النار، فإنه قد صار مكلفاً بأن يؤمن بأنه لا يؤمن، وهذا تكليف بالجمع بين النقيضين وهو محال وذلك مذكور في أصول الفقه. وقد تضمنت هذه الآيات الأخبار عن الغيب بثلاثة أوجه:
أحدها: الإخبار عنه بالتباب والخسران وقد كان ذلك.
ثانيها: الإخبار عنه بعدم الانتفاع بماله وولده وقد كان ذلك.
ثالثها: الإخبار عنه بأنه من أهل النار وقد كان ذلك، لأنه مات على الكفر هو وامرأته ففي ذلك معجزة للنبيّ ﷺ وامرأته خنقها الله تعالى بحبلها كما مرّ، وأبو لهب رماه الله تعالى بالعدسة بعد وقعة بدر بسبع ليال فمات، وأقام ثلاثة أيام لا يدفن حتى أنتن ثم إنّ ولده غسله بالماء قذفاً من بعيد مخافة عدوى العدسة وكانت قريش تتقيها كما تتقي الطاعون، ثم احتملوه إلى أعلى مكة وأسندوه إلى جدار ثم رضموا عليه الحجارة. وقيل: إنّ الله تعالى يدخل امرأته جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل حزمة الحطب، ولا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من أصل شجرة الزقوم، أو من الضريع وفي جيدها حبل من مسد من سلاسل النار، كما يعذب كل مجرم بما يجانس حاله في جرمه.
(١٤/١١٣)
---