ثانيها: ما روي عن ابن عباس: أنّ الغاسق الليل إذا وقب، أي: أقبل بظلمته من المشرق، وسمي الليل غاسقاً لأنه أبرد من النهار. والغسق: البرد، وإنما أمر بالتعوّذ من الليل لأنّ فيه الآفات ويقل: الغوث، ومنه قولهم: الليل أخفى للويل، وقولهم: أعذر الليل لأنه إذا أظلم كثر فيه العدوّ، وفيه يتم السحر، وأسند الشر إليه لملابسته له من حدوثه فيه.
ثالثها: إنه الثريا إذا سقطت وغابت، ويقال: أنّ الأسقام تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها، فلهذا أمر بالتعوّذ من الثريا عند سقوطها.
رابعها: أنه الأسود من الحيات، ووقبه: ضربه ونقبه والوقب الثقب، ومنه: وقبت الثريد.
ولما كان السحر أعظم ما يكون لما فيه من تفريق المرء من زوجه وأبيه وابنه ونحو ذلك عقب ذلك بقوله تعالى:
﴿ومن شرّ النفاثات في العقد﴾، أي: النساء، أو النفوس، أو الجماعات السواحر اللواتي تعقد عقداً في خيوط وينفثن عليها ويرقين عليها، والنفث: النفخ مع ريق. وقال أبو عبيدة: النفاثات من بنات لبيد بن أعصم اليهودي سحرن النبيّ ﷺ فإن قيل: ما معنى الاستعاذة من شرّهن؟ أجيب: بثلاثة أوجه: أحدها: أنه يستعاذ من عملهنّ الذي هو صنعة السحر، ومن إثمهنّ في ذلك. ثانيها: أن يستعاذ من فتنتهنّ الناس بسحرهنّ وما يخدعنهم به من باطلهنّ. ثالثها: أن يستعاذ مما يصيب الله به من الشر عند نفثهنّ. قال الزمخشري: ويجوز أن يراد بهنّ النساء الكيادات من قوله تعالى:
﴿إنّ كيدكنّ عظيم﴾ (يوسف: ٢٨)
تشبيهاً لكيدهنّ بالسحر والنفث في العقد، أو اللاتي يفتنّ الرجال بتعرضهنّ لهم وعرضهنّ محاسنهنّ كأنهنّ يسحرنهم بذلك.
(١٤/١٢٣)
---