﴿الله يستهزىء بهم﴾ أي: يجازيهم على استهزائهم، سمي جزاء الاستهزاء باسمه كما سمي جزاء السيئة بسيئة، إما لمقابلة اللفظ باللفظ أو لكونه مماثلاً له في القدر ومثل هذا يسمى مشاكلة أو ينزل بهم الحقارة والهوان الذي هو لازم الاستهزاء والغرض منه أو يرجع وبال الاستهزاء عليهم فيكون كالمستهزىء بهم أو يعاملهم معاملة المستهزىء، أما في الدنيا فبإجراء أحكام الإسلام عليهم واستدراجهم بالإمهال والزيادة في النعمة مع التمادي في الطغيان، وأمّا في الآخرة فبأن يفتح لهم وهم في النار باباً إلى الجنة فيسرعون نحوه فإذا صاروا إليه سد عليهم الباب وذلك قوله تعالى: ﴿فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون﴾ (المصطففين، ٣٤) وإنما استؤنف به ولم يعطف ليدل على أنه تعالى تولى مجازاتهم ولم يحوج المؤمنين أن يعارضوهم وأنّ استهزاءهم لا يبالي به لحقارتهم ﴿ويمدّهم في طغيانهم﴾ أي: في ضلالاتهم ﴿يعمهون﴾ يتردّدون متحيرين، والطغيان بالضم والكسر تجاوز الحدّ في العصيان والغلوّ في الكفر، وأصله تجاوز الشيء عن مكانه، قال تعالى: ﴿إنا لما طغى الماء حملناكم﴾ (الحاقة، ١١) قال البيضاوي: والعمه في البصيرة كالعمى في البصر وهو التحير في الأمر يقال: رجل عامه وعمه وأرض عمهاء لا منار لها اه. وظاهر كلامه اختصاص العمه بالبصيرة والعمى بالبصر وهو ما ذكره ابن عطية فبينهما تباين، وقال الإمام وغيره: العمه في البصيرة والعمى عام فيها وفي البصر، فبينهما عموم مطلق وأمال الدوري عن الكسائي ألف طغيانهم إمالة محضة وفتحها الباقون.
(١/٥٥)
---


الصفحة التالية
Icon