فإن قيل: الذي يقتضيه سداد نظم الكلام وجزالته أن يجاء عقب الأمر بالتقوى بما يوجبها أو يدعو إليها ويبعث عليها، فكيف كان خلقه إياهم من نفس واحدة على التفصيل الذي ذكره موجباً للتقوى وداعياً إليها؟ أجيب: بأنّ ذلك مما يدل على القدرة العظيمة، ومن قدر على ذلك كان قادراً على كل شيء، ومن المقدورات عقاب العصاة، فالنظر فيه يؤدّي إلى أن يتقي القادر عليه ويخشى عقابه؛ ولأنه يدل على النعمة السابقة عليهم فحقهم أن يتقوه في كفرانها، والتفريط فيما يلزمهم من القيام بشكرها، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف السين والباقون بتشديدها ﴿و﴾ اتقوا ﴿الأرحام﴾ أي: بأن تصلوها ولا تقطعوها، وكانوا يتناشدون بالرحم، وقد نبه سبحانه وتعالى إذ قرن الأرحام باسمه على أن صلتها بمكان منه تعالى.
روى الشيخان أنه ﷺ قال: «الرحم معلقة بالعرش تقول: ألا من وصلني وصله الله تعالى ومن قطعني قطعه الله تعالى»، وقرأ غير حمزة بالنصب عطفاً على الله تعالى فالعامل فيه اتقوا كما قدرته أو معطوف على محل الجار والمجرور كقولك: مررت بزيد وعمراً، وأما حمزة فقرأه بالجر عطفاً على الضمير المجرور، وقول البيضاوي: وهو ضعيف أي: كما هو مذهب البصريين ممنوع، والحق أنه ليس بضعيف فقد جوّزه الكوفيون، وكيف يكون ضعيفاً والقراءة به متواترة؟ فيجب أن يضعف كلام البصريين ويرجع إلى كلام رب العالمين، وتعليلهم عدم الجواز بكونه كبعض كلمة لا يقتضي إلحاقه به في عدم جواز العطف إذ حذف الشيء مع القرينة جائز ومنه:
*رسم دار وقفت في طلله*
أي: ورب رسم دار وقول الشاعر:
*اذهب فما بك والأيام من عجب
(٢/١٧٣)
---