﴿فإن آنستم﴾ أي: أبصرتم ﴿منهم رشداً﴾ وهو صلاح الدين والمال، أما صلاح الدين فلا يرتكب محرّماً يسقط العدالة من كبيرة أو إصرار على صغيرة ويعتبر في رشد الكافر دينه، وأما صلاح المال فلا يضيعه بإلقائه في بحر أو يصرفه في محرم، أو باحتمال الغبن الفاحش في المعاملة ونحوها، وليس صرفه في الخير بتبذير ولا صرفه في الثياب والأطعمة النفيسة وشراء الجواري والاستمتاع بهنّ؛ لأنّ المال يتخذ لينتفع به، نعم إن صرفه في ذلك بطريق الاقتراض له حرم عليه ﴿فادفعوا إليهم أموالهم﴾ من غير تأخير ﴿ولا تأكلوها﴾ أيها الأولياء وقوله تعالى: ﴿إسرافاً﴾ أي: بغير حق ﴿وبداراً﴾ حالان أي: مسرفين ومبادرين إلى إنفاقها مخافة ﴿أن يكبروا﴾ رشداء فيلزمكم تسليمها إليهم ﴿ومن كان﴾ من الأولياء ﴿غنياً فليستعفف﴾ أي: يعف عن مال اليتيم ويمتنع من أكله ﴿ومن كان فقيراً فليأكل﴾ منه ﴿بالمعروف﴾ أي: بقدر الأقلّ من حاجته وأجرة سعيه كما مرّ، ولفظ الاستعفاف والأكل بالمعروف مشعر بأن الوليّ له حق في مال الصبي.
وروى النسائيّ وغيره أنّ رجلاً قال للنبيّ ﷺ إنّ في حجري يتيماً أفآكل من ماله؟ قال: «بالمعروف».
تنبيه: إيراد هذا التقسيم بعد قوله: ﴿ولا تأكلوها﴾ يدل على أنه نهي للأغنياء منهم أن لا يأخذوا لأنفسهم من أموال اليتامى شيئاً، وللفقراء منهم أن لا يأخذوا منها شيئاً بغير المعروف، كما أنّ قوله: ﴿ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا﴾ يدل على أنه نهي للفريقين عن أكلها إسرافاً ومبادرة لكبرهم ﴿فإذا دفعتم إليهم﴾ أي: اليتامى ﴿أموالهم فأشهدوا﴾ ندباً ﴿عليهم﴾ بأنهم قبضوها، فإنّ الإشهاد أنفى للتهمة وأبعد من الخصومة فتحتاجون إلى البينة وهذا يدلّ على أنّ القيم لا يصدّق في دعواه الدفع ولو أبى إلا ببينة وهو مذهب الشافعيّ ومالك خلافاً لأبي حنيفة ﴿وكفى با حسيباً﴾ أي: حافظاً الأعمال خلقه ومحاسبتهم.
(٢/١٨١)
---