وروي أنه ﷺ قال: «رأيت ليلة أسري بي قوماً لهم مشافر كمشافر الإبل إحداهما.... على منخريه والأخرى على بطنه وخزنة النار يلقمونهم جمر جهنم وصخرها فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً». ﴿وسيصلون سعيراً﴾ أي: ناراً شديدة يحترقون فيها، وقرأ ابن عامر وشعبة بضم الياء والباقون بالفتح.
﴿يوصيكم الله﴾ أي: يأمركم ﴿في أولادكم﴾ أي: في شأن ميراثهم بما هو العدل والمصلحة، وهذا إجمال تفصيله ﴿للذكر﴾ منهم ﴿مثل حظ﴾ أي: نصيب ﴿الأنثيين﴾ إذا اجتمعتا معه فله نصف المال ولهما النصف، فإن كان معه واحدة فلها الثلث وله الثلثان وإنما فضل الذكر على الأنثى لاختصاصه بلزوم ما لا يلزم الأنثى من الجهاد وتحمل الدية وغيرهما، وله حاجتان: حاجة لنفسه وحاجة لزوجته، والأنثى حاجة واحدة لنفسها بل هي غالباً مستغنية بالتزويج عن الإنفاق من مالها، ولكن لما علم الله تعالى احتياجها إلى النفقة وأنّ الرغبة تقل فيها إذا لم يكن لها مال جعل لها حظاً من الإرث وأبطل حرمان الجاهلية لها.
فإن قيل: هلا قيل للأنثيين مثل حظ الذكر أو للأنثى نصف حظ الذكر؟ أجيب: بأنه إنما بدأ ببيان حظ الذكر لفضله كما ضوعف حظه لذلك؛ ولأنّ قوله ﴿للذكر مثل حظ الأنثيين﴾ قصد إلى بيان فضل الذكر وقولك: للأنثيين مثل حظ الذكر قصد إلى بيان نقص الأنثى وما كان قصداً إلى بيان فضله كان أدل على فضله من القصد إلى بيان نقص غيره عنه؛ ولأنهم كانوا يورّثون الرجال دون النساء والصبيان، وكان في ابتداء الإسلام بالمحالفة قال تعالى: ﴿والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم﴾ (النساء، ٣٣)
ثم صارت الوراثة بالهجرة قال الله تعالى: ﴿والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء﴾ (الأنفال، ٧٢)
(٢/١٨٥)
---


الصفحة التالية
Icon