فإن قيل: لم قدّمت الوصية في الذكر على الدين مع أنها متأخرة في حكم الشرع عنه؟ أجيب: بأنها لما كانت شاقة على الورثة لكونها مأخوذة بلا عوض وهي مستحبة لكل مكلف بخلاف الدين فإنه: لا يكون على كل مكلف فقدّمت لذلك، وقرأ ابن كثير وابن عامر وشعبة (يوصى) بفتح الصاد ووافقهم حفص على فتح الصاد في الحرف الثاني، والباقون بكسر الصاد فيهما، وقوله تعالى: ﴿آباؤكم وأبناؤكم﴾ مبتدأ خبره ﴿لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً﴾ أي: لا تعلمون من أنفع لكم ممن يرثكم من أصولكم وفروعكم في عاجلكم وآجلكم فمنكم من يظنّ أن الأب أنفع له، فيكون الابن أنفع له، ومنكم من يظنّ أنّ الابن أنفع له فيكون الأب أنفع له، وإنما العالم بذلك هو الله تعالى، وقد دبر أمركم على ما فيه المصلحة فاتبعوه، وقال ابن عباس: أطوعكم لله من الآباء والأبناء أرفعكم درجة يوم القيامة، والله يشفع المؤمنين بعضهم في بعض فإن كان الوالد أرفع درجة في الجنة رفع إليه ولده، وإن كان الولد أرفع درجة من الآخر في الجنة سأل الله أن يرفع إليه فيرفع بشفاعته ﴿فريضة﴾ أي: ما قدر من المواريث فرض فريضة ﴿من الله إنّ الله كان عليماً﴾ بأمور عباده ﴿حكيماً﴾ فيما قضى وقدّر أي: لم يزل متصفاً بذلك.
(٢/١٨٩)
---