روي أنّ عبد الله بن سلام لما سمع هذه الآية جاء إلى النبيّ ﷺ قبل أن يأتي أهله ويده على وجهه وأسلم وقال: يا رسول الله ما كنت أرى أن أصل إليك حتى يتحوّل وجهي في قفاي وكذلك كعب الأحبار لما سمع هذه الآية أسلم في زمن عمر رضي الله تعالى عنه فقال: يا رب آمنت يا رب أسلمت مخافة أن يصيبه وعيد هذه الآية.
فإن قيل: قد أوعدهم الله بالطمس إن لم يؤمنوا ثم لم يؤمنوا ولم يفعل بهم ذلك؟ أجيب: بأنّ هذا الوعيد باق ويكون طمس ومسخ في اليهود قبل قيام الساعة، أو أنّ هذا كان وعيداً بشرط فلما أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه رفع ذلك عن الباقين، وقيل: أراد به في القيامة، وقال مجاهد: أراد بقوله: نطمس وجوهاً أي: نتركهم في الضلالة، فيكون المراد طمس وجه القلب والردّ عن بصائر الهدى على أدبارها في الكفر والضلالة ﴿أو نلعنهم﴾ أي: نمسخهم قردة وخنازير ﴿كما لعنا﴾ أي: مسخنا ﴿أصحاب السبت﴾ منهم قردة وخنازير ﴿وكان أمر الله﴾ أي: قضاؤه ﴿مفعولاً﴾ أي: نافذاً وكائناً فيقع لا محالة ما أوعدتم به إن لم تؤمنوا.
﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به﴾ أي: لا يغفر الإشراك به، قال عمر رضي الله تعالى عنهما: لما نزل ﴿يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً﴾ (الزمر، ٥٣)
(٢/٢٤٣)
---
قالوا: يا رسول الله والشرك فنزلت. ولما أخبر بعدله أخبر تعالى بفضله فقال: ﴿ويغفر ما دون ذلك﴾ الأمر الكبير العظيم من كل معصية سواء أكانت صغيرة أم كبيرة سواء أتاب فاعلها أم لا، ورهب بقوله: إعلاماً بأنه مختار لا يجب عليه شيء ﴿لمن يشاء﴾.
وقال الكلبيّ: نزلت هذه الآية في وحشي بن حرب وأصحابه وذلك أنه لما قتل حمزة وذهب إلى مكة ندم هو وأصحابه وكتبوا إلى رسول الله ﷺ إنا قد ندمنا على ما صنعنا وإنه ليس يمنعنا عن الإسلام إلا أنا سمعناك تقول وأنت بمكة: ﴿والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر﴾ (الفرقان، ٦٨)


الصفحة التالية
Icon