﴿لا يستوي القاعدون﴾ أي: عن الجهاد حال كونهم ﴿من المؤمنين﴾ روي أن زيد بن ثابت أخبر أنّ رسول الله ﷺ أملى عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله، فجاءه ابن أمّ مكتوم وهو يمليها عليّ فقال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان رجلاً أعمى، فأنزل الله تعالى على رسوله ﷺ وفخذه على فخذي فثقلت عليّ حتى خفت أن ترض فخذي أي: تكسر ثم سرّي عنه أي: أزيل وكشف ما به من برحاء الوحي ﴿غير أولى الضرر﴾ أي: من زمانة أو عمى أو نحوه فقال: اكتب (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر)، وقرأ نافع وابن عامر والكسائيّ بنصب الراء على الحال من القاعدين أو الاستثناء، والباقون بالرفع صفة للقاعدين؛ لأنه لم يقصد به قوم بأعيانهم بل أراد به الجنس كما في قوله:
*ولقد أمر على اللئيم يسبني*
فصح جعل غير صفة للقاعدين ﴿والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم﴾ أي: لا مساواة بينهم وبين من قعد عن الجهاد من غير علة.
تنبيه: فائدة ذكر قوله تعالى: ﴿لا يستوي القاعدون﴾ إلخ.. تذكير ما بينهما من التفاوت ليرغب القاعد في الجهاد رفعاً لرتبته واتقاء عن انحطاط منزلته.
وروي أنه ﷺ قال لما رجع من غزوة تبوك ودنا من المدينة قال: «إنّ في المدينة لأقواماً ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلا كانوا معكم فيه» قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة قال: «نعم وهم بالمدينة حبسهم العذر» ﴿فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين﴾ لضرر ﴿درجة﴾ أي: فضيلة لاستوائهما في النية وزيادة المجاهد بالمباشرة ﴿وكلاً﴾ من القاعدين لضرر والمجاهدين ﴿وعد الله الحسنى﴾ أي: الجنة لحسن عقيدتهم وخلوص نيتهم وإنما التفاوت في زيادة العمل المقتضى لمزيد الثواب ﴿وفضل الله المجاهدين على القاعدين﴾ لغير ضرر ﴿أجراً عظيماً﴾ ويبدل منه.
(٢/٢٨٦)
---


الصفحة التالية
Icon