والاستغفار في حق الأنبياء بعد النبوّة على أحد وجوه ثلاثة: إمّا الذنب تقدّم على النبوّة، أو لذنوب أمّته، أو لمباح جاء الشرع بتحريمه، فيتركه بالاستغفار، فالاستغفار يكون معناه السمع والطاعة لحكم الشرع ﴿إنّ الله لا يحب﴾ أي: يعاقب ﴿من كان خوّاناً﴾ أي: كثير الخيانة ﴿أثيماً﴾ أي: منهمكاً فيه.
روي أنّ طعمة هرب إلى مكة وارتدّ وثقب حائطاً ليسرق متاع أهله فسقط الحائط عليه فقتله.
فإن قيل: لم قال خوّاناً أثيماً على المبالغة؟ أجيب: بأنّ الله تعالى كان عالماً من طعمة بالإفراط في الخيانة وركوب المأثم، ومن كانت تلك خلقة أمره لم يشك في حاله، وقيل: إذا عثرت من رجل على سيئة فاعلم أنّ لها أخوات، وعن عمر رضي الله تعالى عنه إنه أمر بقطع يد سارق، فجاءت أمّه تبكي وتقول: هذه أوّل سرقة سرقها فاعف عنه فقال: كذبت إنّ الله لا يؤاخذ عبده في أوّل مرّة.
﴿يستخفون﴾ أي: طعمة وقومه يستترون ويستحيون ويخافون ﴿من الناس ولا يستخفون﴾ أي: ولا يستحيون ولا يخافون ﴿من الله﴾ وهو أحق أن يستحيا ويخاف منه ﴿وهو معهم﴾ بعلمه لا يخفى عليه سرهم ﴿إذ يبيتون﴾ أي: يدبرون ليلاً على طريق الإمعان في الكفر والإتقان للرأي ﴿ما لا يرضى من القول﴾ أي: من رمي اليهودي بالسرقة وشهادة الزور عليه والحلف الكاذب على نفيها.
(٢/٣٠٣)
---
فإن قيل: لم سمى التدبير قولاً، وإنما هو معنى في النفس؟ أجيب: بأنه لما حدث بذلك نفسه سمي قولاً مجازاً. قال في الكشاف: ويجوز أن يراد بالقول الحلف الكاذب الذي حلف به بعد أن بيّنه ﴿وكان الله بما يعملون محيطاً﴾ أي: علماً وقدرة لا يفوت عنه شيء وقوله تعالى:
﴿ها أنتم هؤلاء﴾ خطاب لقوم طعمة أي: يا هؤلاء ﴿جادلتم﴾ أي: خاصمتم ﴿عنهم﴾ أي: عن طعمة وذويه ﴿في الحياة الدنيا﴾ أي: بما جعل لكم من الأسباب ﴿فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة﴾ إذا عذبهم ﴿أم من يكون عليهم وكيلاً﴾ يتولى أمرهم ويذب عنهم أي: لا أحد يفعل ذلك.


الصفحة التالية
Icon