﴿ومن يعمل﴾ شيئاً ﴿من الصالحات﴾ فإن كل أحد لا يتمكن من كلها وليس مكلفاً بها وقوله تعالى: ﴿من ذكر أو أنثى﴾ في موضع الحال من المستكن في يعمل ومن للبيان أو من الصالحات أي: كائنة من ذكر أو أنثى ومن للابتداء وقوله تعالى: ﴿وهو مؤمن﴾ حال شرط اقتران العمل بها في استدعاء الثواب المذكور تنبيهاً على أنه لا اعتداد بالعمل الصالح دون اقتران بها ﴿فأولئك﴾ أي: العالو الرتبة ﴿يدخلون﴾ أي: ندخلهم ﴿الجنة﴾ أي: الموصوفة ﴿ولا يظلمون نقيراً﴾ قدر نقرة النواة من ثواب أعمالهم وإن لم ينقص ثواب المطيع فبالحرى أن لا يزاد عقاب العاصي؛ لأنّ المجازي هو أرحم الراحمين، ولذلك اقتصر على ذكره عقب الثواب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وشعبة بضم الياء وفتح الخاء، والباقون بفتح الياء وضم الخاء.
﴿ومن﴾ أي: لا أحد ﴿أحسن ديناً ممن أسلم وجهه﴾ أي: انقاد وأخلص عمله ﴿﴾ فلا حركة ولا سكون إلا فيما يرضاه، وفي هذا الاستفهام تنبيه على أنّ ذلك منتهى ما تبلغه القوّة البشرية ﴿وهو﴾ أي: والحال أنه ﴿محسن﴾ أي: مؤمن مراقب آت بالحسنات تارك للسيآت، لأنه يعبد الله كأنه يراه، وقد اشتملت هذه الكلمات العشر على الدين كله أصلاً وفرعاً مع الترغيب بالمدح الكامل لمتبعه وإفهام الذمّ الكامل لغيره ﴿واتبع ملة إبراهيم﴾ أي: الموافقة لملة الإسلام وقوله تعالى: ﴿حنيفاً﴾ حال أي: مائلاً عن الأديان كلها إلى الدين القيّم ﴿واتخذ إبراهيم خليلاً﴾ أي: صفياً خالص المحبة له، وإنما أعاد ذكره، ولم يضمره تفخيماً له، وتنصيصاً على أنه الممدوح، والخلة من الخلال فإنه ودّ تخلل النفس وخالطها، قال الزجاج: الخليل الذي ليس في محبته خلل، والخلة الصداقة فسمي خليلاً؛ لأن الله تعالى أحبه واصطفاه.
(٢/٣١٥)
---


الصفحة التالية
Icon