(١/٧٤)
---
منزل من عند الله فأتوا بقرآن من مثله ولأنّ مخاطبة الجم الغفير بأن يأتوا بمثل ما أتى به واحد من أبناء جنسهم أبلغ في التحدي من أن يقال لهم: ليأت بنحو ما أتى به عبدنا آخر مثله ولأنه معجز في نفسه لا بالنسبة إليه لقوله تعالى: ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله﴾ (الإسراء، ٨٨) ولأن عود الضمير إلى عبدنا يوهم إمكان صدوره ممن لم يكن على صفته ولا يلائمه قوله تعالى: ﴿وادعوا شهداءكم من دون الله﴾ فإنه تعالى أمر أن يستعينوا بكل من ينصرهم ويعينهم سواء كان مثله أم لا والشهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة، ومنه قيل للمقتول في سبيل الله: شهيد، لأنه حضر ما كان يرجوه أو الملائكة حضروه، ومعنى دون: أدنى مكان من الشيء، ومنه تدوين الكتب لأنه أدنى البعض، من البعض ودونك هذا أي: خذه من أدنى مكان منك، ثم استعير للرتب فقيل: عمرو دون زيد، أي: في الشرف، ومنه الشيء الدون، ثم اتسع فيه فاستعمل في كل تجاوز حد إلى آخر وتخطي أمر إلى آخر وإن خلى عن الرتبة قال تعالى: ﴿لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين﴾ (آل عمران، ٢٨) أي: لا يتجاوزوا ولاية المؤمنين إلى ولاية الكافرين، ومن متعلقة بادعوا فهي لابتداء الغاية، والمعنى: وادعوا للمعارضة من حضركم أو رجوتم معونته من إنسكم وجنكم وادعوا آلهتكم التي تعبدونها غير الله وتزعمون أنها تشهد لكم يوم القيامة، أي: استعينوا بهم في الإتيان بما ذكر ﴿إن كنتم صادقين﴾ في أن محمداً ﷺ يقوله من تلقاء نفسه، وأن آلهتكم تشهد لكم بذلك، وجواب هذا الشرط محذوف تقديره فافعلوا أي: ما ذكر من الإتيان بسورة دل عليه قوله تعالى:
(١/٧٥)
---


الصفحة التالية
Icon