وقيل: إنهم حبسوا عيسى عليه الصلاة والسلام في بيت وجعلوا عليه رقيباً فألقى الله شبه عيسى على الرقيب فقتلوه، ﴿وإنّ الذين اختلفوا فيه﴾ أي: في شأن عيسى، فإنه لما وقعت تلك الواقعة اختلف الناس، فقال بعض اليهود: إنه كان كاذباً فقتلناه حقاً، وتردد آخرون، وقال بعضهم: إن كان هذا عيسى، فأين صاحبنا؟ وقال بعضهم: الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا، وكان الله ألقى شبه وجه عيسى عليه ولم يلق على جسده، وقال: من سمع من عيسى إنّ الله يرفعني إلى السماء إنه رفعه إلى السماء: وقال قوم: صلب الناسوت أي: الإنسانية وصعد اللاهوت أي: الألوهية ﴿لفي شك منه﴾ أي: من قتله ﴿ما لهم به﴾ أي: بقتله ﴿من علم﴾ وقوله تعالى: ﴿إلا إتباع الظن﴾ استثناء منقطع أي: لكن يتبعون فيه الظنّ الذي تخيلوه.
(٢/٣٣٩)
---
فإن قيل: قد وصفوا بالشك والشك أن لا يترجح أحد الجائزين ثم وصفوا بالظنّ والظنّ أن يترجح أحدهما، فكيف يكونون شاكين ظانين؟ أجيب: بأنّ الشك كما يطلق على ما لا يترجح أحد طرفيه يطلق على مطلق التردّد وعلى ما يقابل العلم فيشمل الاعتقاد ﴿وما قتلوه﴾ أي: انتفى قتلهم له انتفاء ﴿يقيناً﴾ أي: انتفاؤه على سبيل القطع ويجوز أن يكون حالاً من واو قتلوه أي: ما فعلوا القتل متيقنين أنه عيسى عليه الصلاة والسلام بل فعلوه شاكين، فيه والحق إنهم لم يقتلوا إلا الرجل الذي ألقى عليه شبهه. قال البقاعي: والوجه الأوّل أولى لقوله تعالى:
﴿بل رفعه الله إليه﴾ أي: إلى مكان لا يصل إليه حكم آدمي، وعن وهب: إنه أوحي إليه وهو ابن ثلاثين سنة ورفع وهو ابن ثلاث وثلاثين، فكانت رسالته ثلاث سنين ﴿وكان الله عزيزاً﴾ أي: في ملكه لا يغلب عما يريد ﴿حكيماً﴾ في صنعه لا يطمع أحد في نقص شيء منه.


الصفحة التالية
Icon