تنبيه: قال البيضاوي: في الآيتين أي: آية ﴿إن كنتم في ريب﴾ وآية ﴿فإن لم تفعلوا﴾ (البقرة، ٢٤) ما يدل على النبوّة من وجوه: الأوّل: ما فيهما أي: في مجموعهما من التحدي والتحريض على الجدّ وبذل الوسع في المعارضة بالتقريع والتهديد وتعليق الوعيد على عدم الإيتان بما يعارض أقصر سورة من سور القرآن العزيز ثم أنهم مع كثرتهم واشتهارهم بالفصاحة وتهالكهم على المضادّة لم يتصدّوا لمعارضته والتجؤوا إلى جلاء الوطن وبذل المهج لأنّ قوله من التحدي راجع للآية الأولى والباقي راجع إلى الثانية، والثاني: تضمنهما أي: مجموعهما الإخبار عن الغيب على ما هو به فإنهم لو عارضوه بشيء لامتنع خفاؤه عادة سيما والطاعنون فيه أكثر من الذابين عنه في كل عصر لأنّ ذلك راجع للآية الثانية، والثالث: أنه عليه الصلاة والسلام لو شك في أمره ـ أي: نفسه ـ لما دعاهم إلى المعارضة بهذه المبالغة مخافة أن يعارض فتذهب حجته، وهذا راجع إلى الآية الأولى. ثم عطف سبحانه وتعالى حال من آمن بالقرآن ووصف ثوابه على حال من كفر به وكيفية عقابه على عادة ما جرت به العادة الإلهية من أن يشفع الترغيب بالترهيب تنشيطاً لاكتساب ما ينجي وتثبيطاً عن اقتراف ما يردي بقوله تعالى: ﴿وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ أي: الطاعات ﴿أن لهم جنات﴾ أي: حدائق ذات شجر ومساكن، وإنما أمر الله سبحانه وتعالى الرسول ﷺ أو عالم كل عصر، أو كل أحد يقدر على البشارة أن يبشر الذين آمنوا ولم يخاطبهم بالبشارة كما خاطب الكفرة تفخيماً لشأنهم وإيذاناً بأنهم أحقاء بأن يبشروا ويهنؤوا بما أعد لهم، والبشارة: الخبر الصدق السار أوّلاً فإنه يظهر أثر السرور في البشرة لأن النفس إذا سرت انتشر الدم انتشار الماء في الشجرة ولذلك قال الفقهاء: البشارة هو الخبر الأوّل حتى لو قال الرجل لعبيده: من يبشرني بقدوم ولدي فهو حرّ فأخبروه فرادى عتق أوّلهم ولو قال: من أخبرني عتقوا جميعاً.
(١/٧٨)