﴿ ياأيها الذين آمنوا كونوا قوّامين﴾ أي: مجتهدين في القيام بحقوقه تعالى ﴿شهداء﴾ أي: متيقظين محضرين إفهامكم غاية الإحضار بحيث لا يشذّ عنها شيء مما تريدون الشهادة به ﴿بالقسط﴾ أي: العدل ﴿ولا يجرمنكم﴾ أي: ولا يحملنكم ﴿شنآن﴾ أي: شدّة بغض ﴿قوم﴾ أي: الكفار ﴿على أن لا تعدلوا﴾ فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل كمثلة وقذف وقتل نساء وصبية ونقض عهد تشفياً مما في قلوبكم ﴿اعدلوا﴾ أي: تحروا العدل واقصدوه في كل شيء ﴿هو﴾ أي: العدل ﴿أقرب﴾ من تركه ﴿للتقوى﴾ لكونه لطفاً فيه وفيه تنبيه عظيم على أنّ وجوب العدل مع الكفار الذين هم أعداء الله إذا كان بهذه الصفة فما الظن بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياؤه وأحباؤه.
تنبيه: يؤخذ من هذا أن التكاليف مع كثرتها محصورة في نوعين: التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله فقوله تعالى: ﴿كونوا قوّامين ﴾ إشارة إلى التعظيم لأمر الله ومعنى القيام هو أن تقوم لله بالحق في كل ما يلزمك وقوله تعالى: ﴿شهداء بالقسط﴾ إشارة إلى الشفقة على خلق الله وفيه قولان، الأوّل: قال عطاء: لا تخاف في شهادتك أهل ودك وقرابتك ولا تمنع شهادتك أعداءك وأضدادك. الثاني: أمرهم بالصدق في أفعالهم وأقوالهم، وتقدّم نظير هذه الآية في النساء، إلا أنّ هناك قدم لفظة القسط وهنا أخرّها، قال ابن عادل: فكان الغرض من ذلك والله أعلم إنّ آية النساء جيء بها في معرض الإقرار على نفسه ووالديه وأقاربه فبدأ فيها بالقسط الذي هو العدل من غير محاباة نفس ولا والد ولا قرابة والتي هنا جيء بها في معرض ترك العداوة فبدأ بالأمر بالقيام؛ به لأنه أردع للمؤمنين ثم ثني بالشهادة بالعدل فجيء في كل معرض بما يناسبه. وقال البيضاوي: وتكرير هذا الحكم إمّا لاختلاف السبب كما قيل: إنّ الأولى نزلت في المشركين وهذه في اليهود ولمزيد الاهتمام بالعدل والمبالغة في إطفاء ثائرة الغيظ ﴿واتقوا الله إنّ الله خبير بما تعملون﴾ فيجازيكم به.
(١٥/٢٤)
---


الصفحة التالية
Icon