﴿قل﴾ لهم يا محمد ﴿فلم يعذبكم بذنوبكم﴾ أي: فإن صحّ ما زعمتم فلم يعذبكم بذنوبكم ولا يعذب الأب ولده ولا الحبيب حبيبه وقد عذّبكم في الدنيا بالقتل والأسر والمسخ واعترفتم بأنه سيعذبكم بالنار أياماً معدودة، وقرأ البزّي في الوقف فَلِمَهْ بخلاف عنه ﴿بل أنتم بشر من﴾ جملة ﴿من خلق﴾ه الله تعالى من البشر لكم ما لهم وعليكم ما عليهم ﴿يغفر لمن يشاء﴾ أي: ممن خلقه منكم ومن غيركم تفضلاً منه تعالى ﴿ويعذب من يشاء﴾ كذلك كما تشاهدونه يكرم ناساً منكم في هذه الدار ويهين آخرين لا اعتراض عليه، وقرأ أبو عمرو بإدغام الراء في اللام من يغفر والياء في الميم من يعذب بخلاف عنه ورقق ورش الراء على أصله ﴿و ملك السموات والأرض وما بينهما﴾ أي: وأنتم مما بينهما فمن كان هكذا وقدرته هكذا كيف يستحق عليه البشر الضعيف حقاً واجباً وكيف يملك عليه الجاهل بعبادته الناقصة ديناً لازماً ﴿كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً﴾ (الكهف، ٥) ثم قال: ﴿وإليه المصير﴾ أي: المرجع فيجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
﴿يا أهل الكتاب﴾ أي: من الفريقين ﴿قد جاءكم رسولنا﴾ محمد ﷺ ﴿يبيّن لكم﴾ أي: ما كتمتم وحذف لتقدّم ذكره أو الدين وحذف لظهوره ويجوز أن لا يقدر مفعول على معنى ويبذل لكم البيان وجملة يبيّن لكم في موضع الحال أي: جاءكم رسولنا مبيناً لكم وقوله تعالى: ﴿على فترة من الرسل﴾ متعلق بجاءكم أي: جاءكم على حين فتور من إرسال الرسل وانقطاع من الوحي، قال ابن عباس: يريد على انقطاع من الأنبياء فشبّه فقدهم وبعد العهد بهم ونسيان أخبارهم وبلاء رسومهم وآثارهم وانطماس معالمهم وأنوارهم بشيء كان يغلي ففتر ولم يبق من وصفه المقصود منه إلا أثرٌ خافٍ ورسْمٌ دارسٌ.
(١٥/٣٨)
---


الصفحة التالية
Icon