فإن قيل: هلا قال أذلة للمؤمنين؟ أجيب: بأنه تضمن معنى الحنو والعطف كأنه قال: عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع وأنهم مع شرفهم وعلو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خافضون لهم أجنحتهم أو للمقابلة في قوله تعالى: ﴿أعزة على الكافرين﴾ أي: شداد متغلبين عليهم من عزّه إذا غلبه، وقوله تعالى: ﴿يجاهدون في سبيل الله﴾ حال من الضمير في أعزة أو صفة أخرى لقوم، وقوله تعالى: ﴿ولا يخافون لومة لائم﴾ يحتمل أن تكون الواو للحال على أنهم يجاهدون وحالهم في المجاهدة خلاف حال المنافقين فإنهم كانوا موالين لليهود فإذا خرجوا في جيش المؤمنين خافوا أولياءهم اليهود فلا يعملون شيئاً مما يعلمون أنه يلحقهم فيه لوم من جهتهم، وأمّا المؤمنون فكانوا يجاهدون لوجه الله لا يخافون لومة لائم قط، وإن يكون للعطف على يجاهدون بمعنى: إنهم الجامعون بين المجاهدة في سبيل الله والتصلّب في دينه واللومة المرّة من اللوم وفيها وفي تنكير لائم مبالغتان ﴿ذلك﴾ إشارة إلى الأوصاف المذكورة وقوله تعالى: ﴿فضل الله يؤتيه من يشاء﴾ أي: يمنحه ويوفق له فيبذل الإنسان جهده في طاعته لينظر إليه هذا النظر برحمته ﴿وا واسع﴾ أي: كثير الفضل ﴿عليم﴾ أي: بمن هو أهله، ونزل لما قال ابن سلام رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله إنّ قومنا هجرونا.
﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا﴾ وإنما قال: وليكم ولم يقل: أولياؤكم للتنبيه على أنّ الولاية لله على الأصالة، ولرسوله وللمؤمنين على التبع إذ التقدير: إنما وليكم الله وكذا رسوله والمؤمنون. ولو قيل: إنما أولياؤكم الله ورسوله والذين آمنوا لم يكن في الكلام أصل وتبع ثم وصف المؤمنين بقوله تعالى: ﴿الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾ أي: متخشعون في صلاتهم وزكاتهم وقيل: يصلون صلاة التطوع.
(١٥/٨١)
---