﴿إنّ الذين آمنوا والذين هادوا﴾ هم اليهود ﴿والصابئون﴾ فرقة منهم ﴿والنصارى﴾ وقد سبق تفسير هذه الآية في سورة البقرة.
فإن قيل: بم رفع الصابئون وكان حقه والصابئين؟ أجيب: بأنه رفع على الابتداء وخبره محذوف والنية به التأخير عما في خبر إنّ مع اسمها وخبرها كأنه قيل: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا والصابئون كذلك وأنشد سبيويه شاهداً له:
*وإلا فاعلموا أنا وأنتم ** بغاة ما بقينا في شقاق*
والشاهد في أنتم فإنه مبتدأ حذف خبره والتقدير وإلا فإنا بغاة وأنتم كذلك.
فإن قيل: ما فائدة هذا التقديم والتأخير؟ أجيب: بأنّ الصابئين أشدّ العرب المذكورين في هذه الآية ضلالاً وما سموا صابئين إلا لأنهم صبأوا عن الأديان كلها أي: خرجوا فكأنه قال: هؤلاء الفرق الذين آمنوا وأتوا بالعمل الصالح قبل الله توبتهم حتى الصابئون فإنهم إن آمنوا كانوا أيضاً كذلك، وقيل: منصوب بالفتحة فكما جوّز بالفتحة مع الياء في بنين وسنين جوّز مع الواو كما هنا وقوله تعالى: ﴿من آمن با واليوم الآخر وعمل صالحاً﴾ في محل رفع بالابتداء وخبره ﴿فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ في الآخرة والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط والجملة خبر إن.
فإن قيل: كيف قيل: الذين آمنوا من آمن؟ أجيب: بأنّ المراد بالذين آمنوا الذين آمنوا بألسنتهم وهو المنافقون أو إنّ المراد مِنْ مَنْ ثبت على الإيمان واستقام ولم تخالجه ريبة فيه.
(١٥/٩٤)
---