(١/٨٩)
---
بالحق وقطع الوصل التي بها نظام العالم وصلاحه ﴿أولئك هم الخاسرون﴾ بفوات التوبة والمصير إلى العقوبة بإهمال العقل عن النظر واقتناص ما يفيدهم الحياة الأبدية واستبدال الإنكار والطعن في الآيات بالإيمان بها والنظر في حقائقها والاقتباس من أنوارها، واشتروا النقض بالوفاء؛ والفساد بالصلاة؛ والعقاب بالثواب. ثم وبخ سبحانه وتعالى الكفار بقوله:
﴿كيف تكفرون با﴾ أي: أخبروني على أي حال تكفرون ﴿وكنتم أمواتاً﴾ أي: نطفاً في أصلاب آبائكم لا إحساس لكم ﴿فأحياكم﴾ في الأرحام ثم في الدنيا بخلق الأرواح ونفخها فيكم وإنما عطفه بالفاء لأنه متصل بما عطف عليه غير متراخ عنه بخلاف البواقي، وقرأ الكسائي بالإمالة، وورش بالفتح وبين اللفظين، والباقون بالفتح. ﴿ثم يميتكم﴾ عند انقضاء آجالكم ﴿ثم يحييكم﴾ للبعث يوم ينفخ في الصور أو للسؤال في القبور.
قال التفتازاني: ولم لا يجوز أن يراد مطلق الإحياء بعد الإماتة على ما يعم الإحياء في القبور والنشور، ولا بعد فيه لشدّة ارتباط الإحياءين واتصالهما في الانقطاع عن أمر الدنيا ﴿ثم إليه ترجعون﴾ تردّون بعد الحشر فيجازيكم بأعمالكم أو تنشرون إليه من قبوركم للحساب فما أعجب كفركم مع عملكم بحالكم هذه.
فإن قيل: إن علموا أنهم كانوا أمواتاً فأحياهم ثم يميتهم لم يعلموا أنه يحييهم ثم إليه يرجعون أجيب: بأن تمكنهم من العلم بما نصب لهم من الدلائل منزل منزلة علمهم في إزاحة العذر سيما في الآية تنبيه على ما يدل على صحتهما وهو أنه تعالى لما قدر على إحيائهم أولاً قدر على أن يحييهم ثانياً فإنّ بدء الخلق ليس بأهون عليه من إعادته.
(١/٩٠)
---