والمراد بالسماء هذه الأجرام العلوية أو جهات العلو ليطابق قوله تعالى: ﴿فسوّاهنّ سبع سموات﴾ فجمع الضمير العائد إلى السماء لإرادة الجنس، وقيل: لأنّ السماء جمع سماءة أي: جعلهنّ مستويات لا شقوق فيهنّ ولا تفاوت، قال البيضاويّ: وثم لعله لتفاوت ما بين الخلقين أي: في القدر والعظم وفضل خلق السماء على خلق الأرض كقوله تعالى: ﴿ثم كان من الذين آمنوا﴾ (البلد، ١٧) لا للتراخي في الوقت فإنه يخالف ظاهر قوله تعالى: ﴿والأرض بعد ذلك دحاها﴾ (النازعات، ٣٠) فإنه يدل على تأخر دحو الأرض المتقدّم على خلق ما فيها عن خلق السماء وتسويتها. اه، وأجيب: بأنه لا يدل على ذلك لأن تقدّم خلق جرم الأرض على خلق جرم السماء لا ينافي تأخر دحوها عنه وهو بسطها، وردّه التفتازانيّ بأنه ليس على ما ينبغي لأن ثم تدل على تأخر خلق السماء عن خلق ما في الأرض من عجائب الصنع حتى أسباب اللذات والآلام وأنواع الحيوانات حتى الهوام لا عن مجرّد خلق جرم الأرض قال: وسنذكر في حم السجدة ما يدل على تأخر خلق السماء عن خلق الأرض ودحوها جميعاً حتى قيل: إنه خلق الأرض وما فيها في أربعة أيام ثم خلق السماء وما فيها في يومين وكثر ذلك في الروايات فلا يفيد حمل ثم على تراخي الرتبة، اه.
والأوجه كما قاله بعض المفسرين الموافق لظاهر ما هنا وما سيأتي في فصلت تأويله مع الإيضاح أن يقال: إنّ خلق جرم الأرض مقدّم على خلق جرم السماء، وخلق وصفها ـ أعني: دحوها ـ مقدّم على خلق وصف السماء أعني تسويتها سبعاً، فمرجع الإشارة في قوله تعالى بعد ذلك جرم السماء لا وصفها وبذلك علم أن جعل ثم للتراخي في الوقت لا يخالف ما ذكر خلافاً لما زعمه البيضاويّ.
(١/٩٣)
---


الصفحة التالية
Icon