﴿وما على الذين يتقون﴾ الله ﴿من حسابهم﴾ أي: الخائضين ﴿من شيء﴾ أي: شيء مما يحاسبون عليه إذا جالسوهم فمن مزيد للتأكيد ﴿ولكن﴾ عليهم ﴿ذكرى﴾ أي: تذكرة لهم ووعظ ويمنعوهم من الخوض وغيره من القبائح ويظهروا كراهتها وقال سعيد بن جبير ومقاتل: هذه الآية منسوخة بالآية التي في سورة النساء وهي قوله تعالى: ﴿وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله﴾ (النساء، ١٤) الآية، وذهب الجمهور إلى أنها محكمة لا نسخ فيها لأنها خبر والخبر لا يدخله النسخ ولأنه إنما أباح لهم القعود معهم بشرط التذكرة والموعظة ﴿لعلهم يتقون﴾ الخوض في الآيات.
﴿وذر الذين اتخذوا دينهم﴾ أي: الذي كلفوه ﴿لعباً ولهواً﴾ باستهزائهم به ﴿وغرّتهم الحياة الدنيا﴾ أي: خدعتهم وغلب حبها على قلوبهم فأعرضوا عن دين الحق أي: فاتركهم ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم وهذا يقتضي الإعراض عنهم وهو قبل الأمر بالقتال ثم نسخ ذلك الإعراض بآية السيف ﴿وذكر﴾ أي: وعظ ﴿به﴾ أي: القرآن الناس ﴿أن﴾ أي: كراهة أن ﴿تبسل نفس﴾ أي: تسلم إلى الهلاك ﴿بما كسبت﴾ أي: بسبب ما عملت وأصل الإبسال والبسل المنع ومنه أسد باسل لأنّ فريسته لا تفلت منه والباسل الشجاع لامتناعه من قرنه وهذا بسل عليك أي: حرام ﴿ليس لها من دون الله﴾ أي: غيره ﴿وليّ﴾ أي: ناصر ﴿ولا شفيع﴾ يمنع عنها العذاب ﴿وإن تعدل﴾ أي: تلك النفس لأجل التوصل إلى الفكاك ﴿كل عدل﴾ أي: وإن تفدِ كل فداء والعدل الفدية لأنها تعادل المفدي ﴿لا يؤخذ منها﴾ ما تفدى به ﴿أولئك﴾ أي: الذين عملوا هذه الأعمال البعيدة عن الخير ﴿الذين أبسلوا﴾ أي: سلموا إلى العذاب ﴿بما كسبوا﴾ أي: بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة ﴿لهم شراب من حميم﴾ أي: ماء هو في غاية الحرارة ﴿و﴾ لهم ﴿عذاب أليم﴾ أي: مؤلم ﴿بما﴾ أي: بسبب ما ﴿كانوا يكفرون﴾ أي: هم بين ماء يغلي يتجرجر في بطونهم ونار تشعل في أبدانهم بسبب كفرهم.
(١٥/١٩٩)
---