(١/٩٤)
---
كالرسل إليهم لتوسط الأنبياء بينهم وبين الناس واختلف
العقلاء في حقيقتهم بعد اتفاقهم على أنها ذوات موجودة قائمة بأنفسها فذهب أكثر المسلمين إلى أنها أجسام لطيفة شفافة ويعبرون عنها بنورانية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة والجنّ قادرة على ذلك واستدلوا على ذلك بأنّ الرسل كانوا يرونهم أجساماً لطيفة متشكلة بأشكال مختلفة وزعم الحكماء ـ يعني الفلاسفة ـ أنهم جواهر مجرّدة مخالفة للنفوس الناطقة في الحقيقة، وقالت طائفة من النصارى: هي النفوس الفاضلة أي: المتصفة بفضائل العلم والعمل، بخلاف الشرّيرة فإنها عندهم: الشياطين البشرية الناطفة. قوله: البشرية وما بعده صفة للنفوس المفارقة للأبدان يعني: ما دامت في الأبدان تسمى النفوس، فإذا فارقتها كانت الملائكة، والمقول له الملائكة كلهم لعموم اللفظ وعدم المخصص، وقيل: ملائكة الأرض وذلك أنّ الله تعالى خلق السماء والأرض وخلق الملائكة والجنّ فأسكن الملائكة السماء وأسكن الجنّ في الأرض فمكثوا فيها دهراً طويلاً ثم ظهر فيهم الحسد والبغي فأفسدوا فيها فبعث الله تعالى إليهم جنداً من الملائكة يقال له: الجنّ وهم خزان الجنان اشتق لهم اسم من الجنة رأسهم إبليس فكان رئيسهم ومن أشدّهم وأكثرهم علماً فهبطوا إلى الأرض وطردوا الجنّ إلى شعوب الجبال وبطون الأودية وجزائر البحور وسكنوا الأرض وخفف الله تعالى عنهم العبادة وأعطى الله تعالى إبليس ملك الأرض وملك السماء الدنيا وخزانة الجنة وكان يعبد الله تارة في الأرض وتارة في السماء وتارة في الجنة فدخله العجب وقال: ما أعطاني الله تعالى هذا الملك إلا لأني أكرم الملائكة عليه فقال الله تعالى له ولجنده: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾ وجاعل من جعل الذي له مفعولان وهما في الأرض خليفة أعمل فيهما لأنه بمعنى الاستقبال ومعتمد على مسند إليه ويجوز أن يكون بمعنى خالق فيتعدّى لمفعول واحد وهو خليفة والخليفة من يخلف غيره وينوب عنه، أي: