المالكي١ وغيره من الحنابلة، ووافقهم الإمام الذهبي في تعمد الكذب في الحلال والحرام، ولعل مما يشهد لهم قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّه﴾ ٢ فقد نفت الآية الإيمان عمن يفتري الكذب على الله، والكذب على الرسول كذب على الله، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ ٣.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كذبا علي ليس ككذبٍ على أحد، فمن كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وقد روى من طريق متكاثرة، حتى قال العلماء: إنه متواتر، ففي قوله: "إن كذبا علي ليس ككذب على أحد" ما يشعر بأن حكم الكذب عليه ليس كحكم الكذب على غيره، والكذب على غيره كبيرة، فيكون الكذب عليه أكثر من كبيرة، أو أكبر الكبائر.
وفي معنى الكذب على النبي ﷺ الكذب على الصحابة والتابعين، ولا سيما فيما لا مجال للرأي فيه مما لا يعرف إلا من المشرع؛ لأن له حكم المرفوع إلى النبي كما نبه على ذلك أئمة الحديث٤؛ وأيضا فبعض الفقهاء يعتبر قولهم حجة في التشريع، إلا أني لم أقف على من قال: إن الكذب عليهم كفر، وإنما الذي قال الجويني: إنما هو في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم:
ولا يدخل في الكذب الرواية بالمعنى؛ لأنها إنما أجازها العلماء لعارف بالألفاظ ومدلولاتها معرفة دقيقة عالم بالشريعة ومقاصدها خبير بما يغير المعاني ويفسرها، فهي لم تخرج عند التحقيق عن مدلول اللفظ الأصلي.
هل تقبل رواية من كذب في الحديث وإن تاب؟:
ولما للكذب على رسول الله ﷺ من إفساد في الشريعة وإبطال في الدين: ذهب
٢ النحل: ١٠٥.
٣ النجم: ٣، ٤.
٤ هذا بالنسبة إلى ما يروى عن الصحابي، أما ما روي عن التابعين فهو مرفوع مرسل، وهناك شرط آخر؛ وهو ألا يكون الصحابي أو التابعي معروفا بالأخذ عن أهل الكتاب الذين أسلموا وإلا احتمل أن يكون من الإسرائيليات "نزهة النظر في شرح نخبة الفكر" للحافظ ابن حجر، التدريب للسيوطي ص ٦٣، ٦٤".