وإذا استساغ المستشرقون، والمبشرون، ومتابعوهم، لأنفسهم السفاه، والتجني في النقد على السلف الصالح، ولا سيما أصحاب رسول الله ﷺ الذين زكاهم الله ورسوله فكيف يستسيغ كاتب مسلم لنفسه، فضلا عن عالم أن يسفه هو الآخر عليهم، ويصمهم بأقبح الصفات وهو الكذب؟! أو يجاريهم في نقل سفاههم، وتجنيهم عليهم، إنه وايم الحق للأمر العجب، والخطب الجلل.
إن هؤلاء السلف الصالح مهما كانت عليهم مؤاخذات ففضلهم عظيم، وخيرهم كثير، ونفعهم عميم.
٤- إن الكثيرين، أو الكثرة الكاثرة من القراء حينما يقرءون ما كتبت، فسيقدرون جهدي وتعبي ونصبي، حتى أخرجت لهم هذا الكتاب، وسيوافقونني، على ما أظن على كل ما قلت أو معظم ما قلت.
وقد تكون هناك فئة أخرى لا توافقني على كل ما قلت، وقد تخالفني في بعض ما قلت، وربما يتصايحون: أين هذا المؤلف من فلان، وفلان من العلماء، يرد أقوالهم، ويفند مروياتهم، ويتعقبهم فيما يذكرون، ويستدرك عليهم ما فاتهم!!.
وأحب أن أقول لهذه الفئة -إن كانت- إن معرفة الحق ليست قصرا على شخص دون شخص، ولا على جيل دون جيل، والعلم ليس قصرا على أحد وهو فضل من الله يؤتيه من يشاء، وأحب أن أقول لهم أيضا: اقرأوا الكتاب مثنى، وثلاث، ورباع، ثم لتتفكروا ولتتفكروا، وسيظهر لكم بعد التروي، والتأني والهدوء ما ظهر لي، فإن أبوا إلا التمسك بآرائهم: فبحسبي أنني ذكَّرت؛ ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر﴾ ١ وبحسبي أنني حذرت: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ ٢ وبحبسبي أنني بلغت؛ ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ ٣، وبحسبي أنني مجتهد، وللمجتهد إذا أصاب أجران، وإذا أخطأ أجر، وبحسبي أنني لا أريد إلا الخير لهذه الأمة، وإصلاح ما فسد من أمرها: {إِنْ

١ الغاشية: ٢١، ٢٢.
٢ المائدة: ١٠٥.
٣ النور: من الآية ٥٤.


الصفحة التالية
Icon