فقد اختُلِقَ على النبي في تفسير القرآن كما اختُلِقَ عليه في غيره.
وقد قال الزركشي في البرهان: إنه قد صح من ذلك كثير.
ورد عليه السيوطي في الإتقان، فقال: "الذي صح من ذلك قليل جدا، بل أصل المرفوع في غاية القلة، وسأسردها في آخر الكتاب، إن شاء الله تعالى"١.
والحق: أني لا أوافق السيوطي على مقالته؛ وهي أنَّ ما صح في التفسير عن النبي قليل جدا، ولعل مراده القلة النسبية، أي بالنسبة إلى ما ورد عن الصحابة والتابعين، وإلا فقد ذكر الإمام البخاري في صحيحه في ذلك كتابا كبيرا، وهو: "كتاب التفسير"، استغرق نحو جزء من ثلاثة عشر جزءا من تجزئة الإمام الحافظ ابن حجر في شرحه: "فتح الباري".
وليس أدل على ما ذهبت إليه مما ذكره الحافظ بعد ما فرغ من شرح: "كتاب التفسير"، قال: خاتمة: اشتمل كتاب التفسير على خمسمائة حديث، وثمانية وأربعين حديثا، من الأحاديث المرفوعة، وما في حكمها، الموصول من ذلك أربعمائة حديث، وخمسة وستون حديثا، والبقية معلق٢، وما في معناه، المكرر من ذلك فيه، وفيما مضى أربعمائة وثمانية وأربعون حديثا، والخاص منها يعني من غير تكرار مائة حديث وحديث، وافَقَه مسلم على تخريج بعضها، ولم يخرج أكثرها؛ لكونها ليست ظاهرة الرفع، والكثير منها من تفاسير ابن عباس رضي الله عنهما وهي ستة وستون حديثًا، وفيه من الآثار٣ عن الصحابة فمن بعدهم خمسمائة وثمانون أثرا...."٤ وهذا يدل على أن ما صح في التفسير المرفوع غير قليل.
السبب في أن الصحابة لم ينقلوا عن النبي كل التفسير:
وليس من شك في أن النبي ﷺ بيَّن القرآن كله للصحابة، ولا سيما ما أشكل
٢ المعلق في اصطلاح المحدثين: ما حذف من مبتدأ إسناده راوٍ أو أكثر، والمراد بأول السند من جهة الإمام الراوي وذلك مثل قول البخاري: وقال مجاهد كذا، وقال ابن عباس كذا.
٣ أي الموقوفة على الصحابة.
٤ فتح الباري جـ ٨ ص ٦٠٤، ٦٠٥.