حاتم، "م٣٢٧هـ" ثم الحاكم، ٤٠٥هـ" وابن مردويه، "م٤٠١هـ"، وأبو الشيخ ابن حيان في آخرين غيرهم وتفاسير هؤلاء كانت مسندة إلى الصحابة والتابعين، وأتباعهم، وليس فيها غير ذلك، إلا ما كان من تفسير ابن جرير، فإنه يتعرض للاستشهاد بالشعر على المعاني القرآنية، وتوجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، والإعراب، والاستنباط فهو يفوقها بذلك.
والظاهر: أن القرن الثالث الهجري، لم ينفصل فيه التفسير عن الحديث كل الانفصال، وأنه كانت فيه الطريقتان، طريقة التأليف في التفسير كجزء من الحديث، وطريقة التأليف فيه على سبيل الاستقلال. وليس أدل على ذلك، من أن الإمام البخاري ذكر في ضمن كتابه: "الصحيح" كتاب التفسير نحو عشر الصحيح، وألف في التفسير على سبيل الاستقلال كتابه: "التفسير الكبير"١ كما ألفه فيه ابن جرير الطبري على سبيل الاستقلال، ثم جاء بعده ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والحاكم، فألفوا في التفسير على سبيل الاستقلال.
حذف الأسانيد وغلبة الدخيل:
ثم ألف في التفسير بعد هذا خلائق كثيرون، فاختصروا الأسانيد ونقلوا الأقوال من غير أن يعزوها إلى قائلها، فمن ثم دخل الدخيل من ذي قبل، والتبس الصحيح بالعليل، وصار كل من يسنح له قول يورده، ومن يخطر بباله شيء يعتمده، ثم ينقل ذلك من يجيء بعده ظانًّا أن له أصلا غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح، ومن يرجع إليهم في التفسير، وولع المفسرون بالإكثار من الأقوال حتى رأينا بعضهم ذكر في تفسير قوله تعالى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ عشرة أقوال، مع أن تفسيرها باليهود، والنصارى هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجميع الصحابة، والتابعين، وأتباعهم، حتى قال ابن أبي حاتم: لا أعلم في ذلك اختلافا بين المفسرين٢.
٢ الإتقان في علوم القرآن جـ ٢ ص ١٩٠، مقدمة في أصول التفسير ص ٣٣، ٣٤.