والأكاذيب، ولما تسممت بها العقول والأفكار، ولكفانا ما نقوم به اليوم، ولكن "لو" لا تجدي الآن.
٢- وهناك فريق آخر يرى أن نجمع ما طبع من هذه الكتب ونخفيها عن أعين الناس، ثم نعيد طبعها بعد تنقيتها من الإسرائيليات والموضوعات، ولكن أية قوة في العالم الإسلامي يمكنها أن تفعل هذه؟! ثم هو إن أمكن في المكاتب العامة، فكيف يمكن في المكاتب الخاصة المخفية في بيوت أصحابها؟ الحق أن هذا الرأي وإن كان أقل إسرافًا وغلوًّا من الرأي الأول، فهو غير ممكن أيضا من الناحية العلمية.
وأيضا: فهذه الإسرائيليات والموضوعات، وإن لم تكن لها قيمتها الدينية والتشريعية في نسبتها إلى النبي ﷺ أو إلى الصحابة رضوان الله عليهم؛ لأنها مختلقة عليهم، منتحلة، لكن لها في نظر بعض الباحثين والمؤلفين في الحياة العقلية في الإسلام قيمتها العلمية، فهي تدل على ثقافة العصر، وأفكار أهله، وتلاقح الثقافات وتأثير بعضها في بعض؛ لأن الذي وضعها ونسبها لهؤلاء لم يكن خارجا عن البيئة، ولا منعزلا عن روح العصر، وإنما كان مؤثرا ومتأثرا، وهذا الرأي قد ردده بعض الباحثين في كتبه١، ولكني لست منه على ثلج٢، ولا على اتفاق مع قائله؛ لأنها سممت الأفكار، وتجنت على التفسير والحديث، وكان لها آثارها السيئة في كتب العلوم الإسلامية، فضررها أعظم بكثير من نفعها المزعوم.
٣- فلم يبقَ إلا الطريق الثالث: وهو رأي القائلين بالتنصيص على هذه الإسرائيليات والموضوعات وردها من جهة العقل والنقل وبيان أنها دخيلة على الإسلام، ومدسوسة على الرواية الإسلامية وبيان من أين دخلت عليه، وذلك بتأليف كتاب، أو كتب في هذا ونشرها نشرا موسعا، بحيث يستفيد منها كل مثقف، وكل متعلم، بل وكل من يحسن القراءة، وبذلك نقضي على ما في بعض كتب التفسير من شرور الإسرائيليات وسمومها التي أفسدت عقول كثير من الناس، ولا سيما العامة، وصاروا يتناقلونها على أن لها أصلا في الرواية الإسلامية، وما هي منها في شيء.

١ هو الأستاذ أحمد أمين رحمه الله في كتابيه: "فجر الإسلام ص ٢٥١و "ضحى الإسلام" ج٢. ص١٤٣.
٢ على ثلج أي على اطمئنان. نهاية.


الصفحة التالية
Icon