وَهُوَ أَنَّ مِنَ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، مَا لاَ يُدْرَكُ عِلْمُهُ إِلاَّ بِبَيَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ تُفَصِّيلُ جُمَلَ مَا فِي آيِهِ، مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، وَحَلاَلِهِ وَحَرَامِهِ، وَحُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ، وَسَائِرِ مَعَانِي شَرَائِعِ دِينِهِ، الَّذِي هُوَ مُجْمَلٌ فِي ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، وَبِالْعِبَادِ إِلَى تَفْسِيرِهِ الْحَاجَةُ، لاَ يُدْرَكُ عِلْمُ تَأْوِيلِهِ إِلاَّ بِبَيَانٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا تَحْوِيهِ أَيُ الْقُرْآنِ، مِنْ سَائِرِ حُكْمِهِ، الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ بَيَانَهُ لِخَلْقِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَأْوِيلَ ذَلِكَ، إِلاَّ بِبَيَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ يَعْلَمُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلاَّ بِتَعْلِيمِ اللَّهِ إِيَّاهُ ذَلِكَ، بِوَحْيِهِ إِلَيْهِ، إِمَّا مَعَ جِبْرِيلَ، أَوْ مَعَ مَنْ شَاءَ مِنْ رُسُلِهِ إِلَيْهِ. فَذَلِكَ هُوَ الآيُ، الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُفَسِّرُهَا لِأَصْحَابِهِ، بِتَعْلِيمِ جِبْرِيلَ إِيَّاهُ، وَهُنَّ لاَ شَكَّ أَيٌ ذَوَاتُ عَدَدٍ.
وَمِنْ أَيِ الْقُرْآنِ، مَا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِ تَأْوِيلِهِ، فَلَمْ يُطْلِعْ عَلَى عَلِمِهِ مَلَكًا مُقَرَّبًا، وَلاَ نَبِيًّا مُرْسَلاً، وَلَكِنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ.
فَأَمَّا مَا لاَ بُدَّ لِلْعِبَادِ مِنْ عِلْمِ تَأْوِيلِهِ، فَقَدْ بَيَّنَ لَهُمْ نَبِيَّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِبَيَانِ اللَّهِ ذَلِكَ لَهُ بِوَحْيِهِ مَعَ جِبْرِيلَ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِبَيَانِهِ لَهُمْ، فَقَالَ لَهُ جَلَّ ذِكْرُهُ :﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
وَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يُفَسِّرُ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا إِلاَّ آيًا تُعَدُّ هُوَ مَا يَسَبِقُ إِلَيْهِ أَوْهَامُ أَهْلِ الْغَبَاءِ، مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُفَسِّرُ مِنَ الْقُرْآنِ إِلاَّ الْقَلِيلَ مِنْ آيِهِ، وَالْيَسِيرَ مِنْ حُرُوفِهِ، كَانَ إِنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذِّكْرُ، لِيَتْرُكَ لِلنَّاسِ بَيَانَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ، لاَ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ.


الصفحة التالية
Icon